رأت مؤسسة كارنيجي أن الضربة العسكرية الأميركية ضد المنشآت النووية الإيرانية، المعروفة باسم عملية المطرقة منتصف الليل، شكّلت استعراضًا استثنائيًا للقدرات العسكرية الأميركية، لكنها لم تُحقق ما تصفه واشنطن بـ"التدمير الكامل". استخدمت سبع قاذفات شبح من طراز B-2 قنابل خارقة للتحصينات لاستهداف منشأتي فوردو ونطنز، بينما أطلقت غواصة صواريخ موجهة أكثر من عشرين صاروخ كروز على مجمع أصفهان النووي.
فجوة بين التدمير الفعلي والنتائج الاستراتيجية
تكمن المشكلة الرئيسية في أن القوة العسكرية قد تدمر البنية التحتية، لكنها لا تقضي على المعرفة أو المواد الموزعة أو الدوافع الاستراتيجية وراء السعي نحو السلاح النووي. تشير التقارير إلى أن إيران نقلت المواد الحساسة قبل الضربات، ما يعني أن جوهر برنامج التخصيب لا يزال محفوظًا، بينما بقيت بعض الأنفاق والبنية التحتية تحت الأرض صالحة للاستخدام لاحقًا.
تتوقف فعالية العملية على عاملين مترابطين: مدى استعداد إيران للحد من مسار تطوير السلاح، وقدرة الدبلوماسية على إعادة فرض رقابة صارمة عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية. من دون تحقق هذين الشرطين، تؤدي العملية إلى تأجيل المواجهة المقبلة، لا منعها.
حجم الدمار
صور الأقمار الصناعية تُظهر حفريات عميقة فوق منشأة فوردو، تشير إلى اختراق الطبقات الصخرية التي تحمي قاعات الطرد المركزي. في نطنز، أدت الضربات إلى تفاقم الأضرار السابقة التي سببتها إسرائيل، مع تدمير البنية الكهربائية بالكامل. أما في أصفهان، فتُظهر الصور أن منشأة إنتاج سادس فلوريد اليورانيوم دُمّرت، إضافة إلى منشأة معالجة اليورانيوم المعدني، وهي خطوة حاسمة في تصنيع السلاح.
لكن رغم الدمار المادي، لا يمكن القول إن خطر الانتشار النووي انتهى. فالمفتشون الدوليون أكدوا وجود مواد نووية في المواقع الإيرانية قبيل الضربات، ويُرجّح أن السلطات نقلت تلك المواد إلى أماكن غير معلنة. كما تُظهر صور من 19 و20 يونيو شاحنات وحفّارات قرب مداخل الأنفاق، ما يثير احتمال إغلاقها لاستخدامها لاحقًا، أو لإخفاء محتوياتها.
قدرة إيران على إعادة البناء
رغم الخسائر، تمتلك إيران قدرة كبيرة على إعادة بناء برنامجها. فالمواد المخصبة بنسبة 60% التي ربما نُقلت إلى أماكن آمنة، لا تزال تُمثل تهديدًا حقيقيًا، إذ تُشكّل المادة الخام لتصنيع عدة قنابل نووية. كما تمتلك إيران مخزونًا كبيرًا من أجهزة الطرد المركزي المتطورة خارج رقابة الوكالة الدولية منذ انهيار الاتفاق النووي.
ورغم تدمير مرافق البحث والتطوير فوق الأرض في كرج وطهران ونطنز، أشارت إيران إلى نيتها إنشاء موقع تخصيب ثالث قرب نطنز، ما يدل على استعدادها المسبق لسيناريوهات التدمير. وقد يتطلب استئناف العمل النووي سنوات، لكنه في المقابل قد يؤدي إلى برنامج أكثر صلابة.
الإرادة السياسية
المسؤولون الإيرانيون الحاليون والسابقون عبّروا بوضوح عن عزمهم مواصلة المسار النووي. قال علي شمخاني، إن "المواد المُخصبة والمعرفة المحلية والإرادة السياسية لم تُمسّ"، مؤكداً أن المبادرة لا تزال في يد إيران. كما أعلن السفير الإيراني في جنيف أن بلاده لن تتخلى عن "حقها غير القابل للتصرف" في استخدام الطاقة النووية سلميًا والدفاع عن نفسها.
اللافت أن الخطاب الداخلي في إيران يشهد تحوّلًا. فموضوع السلاح النووي، الذي ظل لسنوات محصورًا في إشارات مبهمة، أصبح الآن محورًا رئيسيًا في نقاشات الأمن القومي. ويبدو أن الانقسام بين المتشددين والداعين لضبط النفس بدأ بالتقلص، مع اتساع رقعة الأصوات التي ترى أن "استراتيجية العتبة" لم تُحقق الردع المطلوب.
علاوة على ذلك، تُعزز العلاقات المتنامية مع روسيا والصين وكوريا الشمالية احتمال انتقال التكنولوجيا النووية إلى إيران، ما قد يُسرّع خطواتها نحو التسلح النووي.
الخطوة الأخطر: تعليق التعاون مع الوكالة الدولية
في 25 يونيو، صادق البرلمان الإيراني على قانون يعلّق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويشترط الحصول على موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي قبل السماح بدخول المفتشين. رافقت التصويت هتافات "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل"، مما يعكس حجم التصعيد.
هذا الإجراء يُعدّ النتيجة الأخطر على المدى الطويل للضربات الأميركية والإسرائيلية. فقد فقدت الوكالة حيّزها الرقابي، ما يمنح إيران حرية أكبر لإعادة بناء قدراتها بعيداً عن أعين العالم، ويُفقد المجتمع الدولي أدواته الرئيسية في التحقق من الأنشطة النووية.
السيناريوهات المحتملة
يبقى السؤال الحاسم: هل ستُعيد إيران بناء منشآتها؟ الإجابة تعتمد على تقييم طهران للتهديدات العسكرية، وتوافر الموارد، والأهداف الاستراتيجية. قد تختار إيران إعادة البناء البطيء لتجنّب الاستهداف، أو مسارًا سريعًا يركز على إنتاج السلاح إذا شعرت أن الظروف تسمح بذلك.
لكن أي تحرك مرئي نحو إعادة بناء البنية التحتية أو تقليص رقابة الوكالة سيجعل إيران هدفًا لضربات جديدة، مما يُبقي دائرة التصعيد مفتوحة.
https://carnegieendowment.org/emissary/2025/06/iran-strikes-us-impacts-iaea-nuclear-weapons-monitoring?lang=en