في ظل الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تعصف بمصر، أعلنت حكومة السيسي الانقلابي عن خطة لإصدار صكوك إسلامية سيادية بقيمة 2 مليار دولار خلال عام 2025، ضمن محاولات مستميتة لتوفير السيولة الأجنبية وسد فجوة التمويل المتزايدة.

هذا الإعلان، الذي صدر في يونيو 2025 على لسان وزير المالية الانقلابي أحمد كوجوك، يأتي امتدادًا لسياسات الاقتراض المكثف التي انتهجها النظام منذ توليه السلطة بعد انقلاب 3 يوليو 2013.

ووفقًا لمعهد التمويل الدولي، فقد بلغ إجمالي الديون الخارجية لمصر نحو 168 مليار دولار بنهاية عام 2024، مقارنةً بـ 43 مليار دولار فقط في 2013، وهو ما يثير تساؤلات حول قدرة الدولة على خدمة هذا الدين المتفاقم، خاصة مع التراجع المستمر في الاحتياطي النقدي وتدهور الجنيه المصري.

 

ماذا تعني الصكوك الإسلامية؟ ولماذا الآن؟

الصكوك الإسلامية هي أدوات دين متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وتعتمد على مفهوم المشاركة في الأصول أو الأرباح، وليس الفائدة الثابتة كما في السندات التقليدية.

الحكومة المصرية تسعى من خلالها إلى جذب مستثمرين من الخليج وشرق آسيا، مستفيدة من إقبال بعض الصناديق السيادية الإسلامية على هذا النوع من التمويل.

لكن مراقبين يرون في هذا التحرك محاولة للتجميل الديني لسياسات مالية كارثية، إذ لا تختلف "الصكوك" جوهريًا عن أدوات الدين التقليدية سوى في الاسم والشكل، وهي في النهاية أعباء إضافية على الأجيال القادمة.

وقد أكد وزير المالية أن الصكوك الجديدة سيتم إصدارها على مرحلتين خلال عام 2025، على أن يتم ربطها بمشروعات في البنية التحتية، دون توضيح نوع هذه المشروعات أو العائد المتوقع منها.

 

الفشل المتكرر في جذب الاستثمار المباشر

ورغم هذا الحماس الرسمي لإصدار صكوك جديدة، إلا أن التجربة السابقة تثير الكثير من الشكوك. ففي فبراير 2023، أصدرت حكومة السيسي أول صكوك سيادية بقيمة 1.5 مليار دولار، لكنها لم تحقق الطموحات المعلنة، ولم تسهم في خفض الدين العام أو تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي.

وبحسب تقرير البنك الدولي في نوفمبر 2024، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر تراجع بنسبة 37% مقارنة بعام 2022، ما يشير إلى ضعف الثقة في بيئة الأعمال والفساد المنتشر، وتغول الأجهزة الأمنية في الاقتصاد، ما يدفع المستثمرين للفرار بدلًا من المجيء.

وقد وصف الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق الصكوك بأنها "وصفة جديدة للغرق في مزيد من التبعية والديون، تُقدَّم للمواطن على أنها حلول شرعية في حين أنها تعمق الأزمة".

 

مخاوف من رهن أصول الدولة

من بين أبرز المخاوف المثارة حول خطة الصكوك، غياب الشفافية حول الأصول التي سيتم رهنها أو المشاركة فيها مع المستثمرين الأجانب، فقد نص قانون الصكوك الصادر عام 2022 على إمكانية إنشاء "شركة التصكيك السيادي" التي تملك حق إدارة الأصول العامة واستخدامها في إصدار الصكوك، وهو ما يُعد تهديدًا صريحًا لممتلكات الشعب.

وكان البرلمان المصري، الخاضع لسيطرة تامة من النظام، قد مرر هذا القانون دون نقاش حقيقي أو رقابة برلمانية فعالة، وسط تحذيرات من اقتصاديين ونواب معارضين سابقين، من أن هذه الأصول التي تشمل أراضي ومنشآت وموانئ قد تُصبح في يد مستثمرين أجانب لعقود طويلة، مقابل قروض مؤقتة تسد عجزًا مرحليًا.

 

الشعب يدفع الثمن.. تقشف، ضرائب، وغياب التنمية

وفي الوقت الذي تصدر فيه حكومة السيسي الصكوك وتراكم الديون، يعاني المواطن المصري من غلاء المعيشة وتراجع الخدمات، فقد بلغ معدل التضخم السنوي في مايو 2025 نحو 31.7 %، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بينما ارتفعت أسعار الوقود والمواد الغذائية بنسبة تجاوزت 45 % مقارنة بالعام الماضي.

وفي المقابل، تُواصل الحكومة تقليص الدعم وخفض الإنفاق الاجتماعي، بينما توجه الجزء الأكبر من الموازنة لخدمة الدين وفوائد القروض، حيث أقر مشروع موازنة 2024/2025 تخصيص أكثر من 1.6 تريليون جنيه لسداد فوائد وأقساط الدين فقط، بما يعادل أكثر من 50 %  من الإنفاق العام.

 

سياسة الاقتراض بلا أفق واضح

خطة السيسي لإصدار صكوك إسلامية جديدة لا تخرج عن الإطار العام لسياساته الاقتصادية التي تعتمد على الاقتراض المفرط، وتفتقر إلى خطة إنتاج حقيقية أو إصلاح جذري، وتبقى الصكوك، على ما تحمله من مسميات دينية وتجميلية، مجرد أداة إضافية لتعميق الأزمة وليس حلًا لها، وفي ظل استمرار غياب المساءلة واحتكار القرار الاقتصادي من قبل قلة داخل النظام، يبدو أن ما ينتظر مصر ليس "تمويلًا إسلاميًا" نزيهًا، بل استنزافًا متسارعًا لموارد البلاد ومستقبل أجيالها.