أعلن وزير الخارجية المصري في حكومة الانقلاب، بدر عبد العاطي، في 29 يونيو 2025، أن مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا وصلت إلى طريق مسدود تماماً بعد أكثر من 13 عاماً من المحاولات المتواصلة دون تحقيق أي تقدم ملموس، وأكد الوزير أن مصر استنفدت كل الوسائل السلمية للتفاوض، وأن الجانب الإثيوبي أصر على التعنت ورفض التعاون الجدي، مما دفع القاهرة إلى التشديد على أن أمنها المائي لن يُعرض للخطر تحت أي ظرف.

وأوضح أن مصر قدمت عشرات المقترحات الفنية التي تضمن توليد الكهرباء لإثيوبيا دون الإضرار بحصة مصر والسودان المائية، التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، لكن إثيوبيا تواصل اتخاذ قرارات أحادية الجانب بلا تنسيق أو التزام قانوني.

 

كيف تنازلت القاهرة عن أدوات الضغط؟

منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013، تنازل نظام السيسي طوعًا عن أوراق القوة في ملف سد النهضة، بدءًا من التوقيع الكارثي على "اتفاق المبادئ" في مارس 2015، الذي شرعن السد لأول مرة، مرورًا بالفشل في تدويل القضية أمام مجلس الأمن، وصولاً إلى تبني سياسة التصريحات دون أي تحركات فعلية.

الاتفاق الثلاثي الذي وقّعه السيسي مع إثيوبيا والسودان لم يتضمن أي ضمانات لحقوق مصر المائية، بل أقر ضمنيًا بحق إثيوبيا في بناء السد، وهو ما فتح الباب أمامها للمضي قدمًا دون التزامات واضحة.

ورغم تحذيرات الخبراء حينها، أصر النظام على تبرير الاتفاق بأنه "نجاح دبلوماسي"، بينما كان في حقيقته تنازلاً استراتيجيًا عن 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل.

 

هل تعيد التصريحات الحق المائي المصري بعد التفريط فيه؟

تأتي تصريحات وزير الخارجية في وقت يواجه فيه الأمن المائي المصري تهديدات حقيقية بسبب ملء سد النهضة الإثيوبي دون اتفاق قانوني ملزم، حيث تم تنفيذ أربع مراحل من الملء بشكل أحادي.

ويؤكد الخبراء المصريون أن هذا الإجراء أدى إلى حجز حوالي 19 مليار متر مكعب من حصة مصر المائية خلال العام الحالي، وهو ما تسبب في تقليص المساحات المزروعة بالأرز وزيادة الاعتماد على تحلية مياه البحر وترشيد الاستهلاك.

ورغم أن الدولة تمكنت بفضل السد العالي وتدابير وزارتي الري والزراعة من منع وصول الضرر المباشر للمواطن، إلا أن الأضرار الحقيقية تتراكم وستنعكس مستقبلاً على الاقتصاد والأمن الغذائي.

 

مصر في الأمم المتحدة.. لن نتسامح مع التهديد الوجودي

خلال كلمته في الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024، أكد وزير الخارجية بدر عبد العاطي أن مصر لن تتسامح مع أي تهديد وجودي لبقائها بسبب سد النهضة، وأوضح أن مصر خاضت مفاوضات دامية لمدة 13 عاماً دون جدوى، وأن إثيوبيا انتهجت سياسة التسويف والتعنت، متجاهلة قواعد القانون الدولي واتفاق إعلان المبادئ لعام 2015.

وأكد الوزير أن مصر تحتفظ بحقها في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة دفاعاً عن مصالحها وبقاء شعبها، مع التشديد على أن الأمن المائي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.

 

التسلسل الزمني لمفاوضات سد النهضة.. من الأمل إلى الفشل

بدأت المفاوضات بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة منذ عام 2011، بعد ثورة 25 يناير في مصر، حين أعلنت إثيوبيا نيتها بناء السد وأبدت استعدادها لمشاركة المعلومات مع مصر والسودان.

شهدت السنوات التالية تشكيل لجان فنية دولية، وتبادل زيارات رسمية، وتوقيع اتفاق إعلان المبادئ في ديسمبر 2015، حيث تعهدت الدول الثلاث بالتعاون بشأن ملء وتشغيل السد.

إلا أن الخلافات تصاعدت بعد 2017، مع استمرار إثيوبيا في بناء السد وتشغيله بشكل أحادي، مما أدى إلى توقف المفاوضات رسمياً في ديسمبر 2023، مع إعلان مصر استعدادها لاتخاذ كل الإجراءات لحماية حقوقها المائية.

 

ماذا تعني حصة مصر المحجوزة؟

يؤكد الخبراء المصريون أن المياه الموجودة حالياً في سد النهضة هي مياه مصرية تم حجزها من حصتها المائية السنوية، والتي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب.

وحجز إثيوبيا 19 مليار متر مكعب من هذه الحصة في العام الحالي فقط، مما يعكس تأثيرات سلبية مباشرة على الزراعة والاستهلاك المحلي في مصر.

وأوضح أستاذ الجيولوجيا عباس شراقي أن تشغيل توربينات السد قد يسمح بعودة جزء من هذه المياه، لكن حتى الآن لا يوجد أي توربين يعمل، ولا أي زيادة فعلية في كمية المياه المتدفقة إلى مصر، ويعتبر هذا الوضع تهديداً مباشراً للأمن المائي المصري وللاقتصاد الوطني.

 

هل يتحرك المجتمع الدولي لإنقاذ مصر؟

في ظل تعنت إثيوبيا ورفضها الالتزام بالاتفاقيات الدولية، يضع فشل المفاوضات الأخيرة المجتمع الدولي أمام مسؤولية كبرى.

حذرت مصر مراراً عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن من خطورة استمرار الإجراءات الأحادية الإثيوبية، التي قد تؤدي إلى كارثة مائية إقليمية تهدد استقرار منطقة القرن الإفريقي بأكملها.

وفي ظل غياب مؤشرات إيجابية لحلحلة الأزمة، يبقى السؤال مطروحاً حول مدى استعداد المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات عملية لحماية حقوق مصر المائية وضمان الأمن والاستقرار الإقليمي.