أثارت تقارير صحفية بريطانية ودولية ضجة واسعة مؤخراً، بعد أن سلطت الضوء على ما وصفته بـ"الجانب المظلم" للسياحة في مصر تحت حكم عبد الفتاح السيسي، الذي تولى السلطة بانقلاب عسكري عام 2013.
صحيفة The Independent البريطانية نشرت تقريراً في يونيو 2025، حذّرت فيه من تكرار حوادث الابتزاز الأمني والتحرش والعنف ضد سياح أجانب، خاصة النساء، كما حذّرت من “انعدام الشفافية وانتهاك الحريات الشخصية” في التعامل مع الزوار، معتبرة أن هذه الأفعال أصبحت نمطاً متكرراً في أماكن كشرم الشيخ والأقصر والغردقة.
ابتزاز السلطات الأمنية..
في العديد من الشهادات التي نقلتها وسائل إعلام أجنبية، اشتكى السياح من تدخلات الأمن المصري في تفاصيل حياتهم اليومية، حتى في الفنادق والمنتجعات، تحدثت تقارير عن تفتيش هواتف السياح بشكل تعسفي، واعتقالات على خلفيات واهية، أبرزها التصوير في الأماكن العامة أو الحديث مع السكان المحليين.
منظمة "هيومن رايتس ووتش" علّقت على هذه الممارسات بقولها: "السياحة في مصر تُدار بعقلية أمنية قمعية، لا تراعي حقوق الزوار ولا كراماتهم".
وأضافت أن بعض السياح اضطروا لدفع رشاوى مباشرة لعناصر أمنية لتفادي الاحتجاز أو التحقيق.
تراجع الثقة العالمية
رغم محاولات النظام تلميع صورة مصر خارجياً، إلا أن الأرقام تكشف التراجع الواضح في ثقة السياح. ففي عام 2024، بلغ عدد السياح القادمين إلى مصر نحو 10.2 مليون سائح، مقارنة بـ13.1 مليون عام 2019، بحسب بيانات وزارة السياحة.
ويعزو خبراء هذا الانخفاض إلى التوترات السياسية، والممارسات الأمنية القمعية، بالإضافة إلى ضعف الخدمات وارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر.
يلاحظ كذلك أن نسب الحجوزات من بريطانيا وألمانيا، وهما من أكبر الأسواق السياحية لمصر، قد تراجعت بنسبة 22% خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2025.
فضائح أخلاقية..
لا تتوقف الانتقادات عند حدود الأجهزة الأمنية، بل تشمل أيضاً سلوك بعض العاملين في القطاع السياحي، ممن وُجهت إليهم اتهامات مباشرة بالتحرش أو استغلال الزائرات الأجنبيات.
الصحافة الألمانية نشرت في مايو 2025 تقريراً موسعاً عن حالات استغلال وقعت في منتجعات الغردقة، حيث أبلغت سائحات عن ضغوط من عمال الفنادق للدخول في علاقات مشبوهة أو تقديم "هدايا مالية" مقابل الخدمات، في حين تكتفي وزارة السياحة المصرية بالصمت أو التنصل من المسؤولية، متذرعة بأنها "حالات فردية".
الدولة شريك في التستر؟
اللافت في كل هذه التقارير أن الدولة المصرية لا تتدخل لمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، بل على العكس، تسهّل في كثير من الأحيان وقوعها.
أجهزة الأمن تُعامل السياحة كملف سيادي وليس خدمي، مما يمنحها صلاحيات مطلقة دون رقابة قضائية حقيقية، ويعكس ذلك غياب منظومة العدالة في عهد السيسي، الذي هيمن على كافة السلطات منذ تعديلات الدستور في 2019 التي مددت حكمه حتى عام 2030، مع سيطرة تامة على القضاء والإعلام.
تحذيرات دولية
أصدرت الحكومة البريطانية في يونيو 2025 تحديثاً لإرشادات السفر، نصحت فيه مواطنيها بتوخي الحذر أثناء السفر إلى مصر، خاصة في مناطق البحر الأحمر والصعيد.
كما عبّر البرلمان الأوروبي عن قلقه إزاء “المعاملة غير اللائقة” التي يتعرض لها السياح، مطالباً المفوضية الأوروبية بمراجعة سياسات التعاون السياحي مع القاهرة.
وفي ظل هذا المناخ، يبدو أن صورة "أم الدنيا" كوجهة سياحية بدأت تتآكل، ليس بسبب الإرهاب أو الظروف الاقتصادية فقط، بل أيضاً نتيجة سياسات القمع والفساد التي تهيمن على مفاصل الدولة منذ الانقلاب العسكري قبل أكثر من عقد.
مصر السيسي.. وجهة غير آمنة؟
مع استمرار غياب الإصلاحات، وتجاهل النظام لتحذيرات المجتمع الدولي، تتجه مصر إلى خسارة ما تبقى من ثقة الأسواق السياحية العالمية، وفي وقت يعتمد فيه اقتصادها بشكل كبير على عوائد السياحة (قرابة 12% من الناتج المحلي وفق تقرير البنك الدولي لعام 2023)، فإن استمرار هذه الممارسات يُنذر بأزمة اقتصادية وسياحية متفاقمة في المستقبل القريب.