في خطوة جديدة تضاف إلى سلسلة الإجراءات الاقتصادية القاسية التي اتخذها نظام عبد الفتاح السيسي منذ انقلابه العسكري عام 2013، أقر مجلس النواب المصري يوم الثلاثاء 25 يونيو 2025 تعديلات على قانون ضريبة القيمة المضافة، تضمنت بشكل خاص زيادات جديدة في أسعار السجائر، ورغم أن الحكومة تسوق هذه الخطوة باعتبارها ضرورة لزيادة الإيرادات، فإنها تأتي وسط تصاعد في معدلات الفقر وتراجع القدرة الشرائية، ما يثير غضبًا شعبيًا متزايدًا.
من يدفع الثمن؟
وفقًا لنص التعديلات التي نشرتها الجريدة الرسمية، فقد تمت الموافقة على رفع الضريبة الثابتة على عبوات السجائر المحلية والمستوردة بمبالغ تتراوح بين 0.50 جنيه و1.25 جنيه للعبوة الواحدة، وذلك حسب الشريحة السعرية.
ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن أكثر من 30% من الذكور في مصر من المدخنين، ما يجعل هذه الزيادة تطال شريحة واسعة من المواطنين من ذوي الدخل المنخفض.
تنقسم الزيادات كالتالي:
- عبوات السجائر التي يقل سعر بيعها عن 36 جنيهًا: ارتفعت الضريبة عليها بمقدار 0.50 جنيه لتصل إلى 9.50 جنيه للعبوة.
- عبوات السجائر التي يتراوح سعرها بين 36 و46 جنيهًا: زادت الضريبة بمقدار 0.75 جنيه لتصل إلى 15.75 جنيه.
- أما السجائر التي يتجاوز سعرها 46 جنيهًا: فقد زادت الضريبة عليها بمقدار 1.25 جنيه، لتصل إلى 21.25 جنيه.
متى نُفذ القرار وما الدوافع؟
دخل القرار حيز التنفيذ ابتداءً من صباح يوم الأربعاء 26 يونيو 2025، وسط استياء شعبي وغياب تام لأي حوار مجتمعي. الحكومة بررت القرار بضرورة "زيادة الإيرادات العامة لسد العجز في الموازنة"، وهو ما أكده وزير المالية خلال جلسة البرلمان قائلاً: "نحن نواجه ضغوطًا كبيرة على الموازنة، ولا بد من اتخاذ إجراءات لزيادة الموارد الذاتية".
لكن مراقبين يرون أن هذه الزيادات ليست سوى نتيجة مباشرة لفشل السياسات الاقتصادية التي اعتمد عليها النظام، والمتمثلة في الاقتراض المفرط وبيع أصول الدولة، ما دفع الحكومة للبحث عن مصادر سريعة للتحصيل الضريبي، دون الالتفات لتداعياتها الاجتماعية.
يشير اقتصاديون إلى أن قرار رفع أسعار السجائر سيؤدي إلى زيادة أعباء الفئات الفقيرة، لا سيما أن السجائر تُعد من السلع التي لا يستطيع بعض المواطنين التخلي عنها رغم تدهور أوضاعهم المالية.
ووفقًا لدراسة صادرة عن البنك الدولي في 2023، فإن 60% من الأسر المصرية تقل نفقاتها على الغذاء لتغطية أسعار السلع الاستهلاكية الأخرى، ما يعني أن أي زيادة جديدة قد تؤدي إلى مزيد من الحرمان والمعاناة.
في المقابل، يخشى بعض الاقتصاديين من أن تؤدي هذه الخطوة إلى تنشيط السوق السوداء وعودة ظاهرة تهريب السجائر، وهو ما حدث سابقًا بعد زيادات مشابهة في أعوام 2017 و2020.
غياب العدالة الضريبية في عهد السيسي
تُبرز هذه التعديلات من جديد غياب ما يُعرف بالعدالة الضريبية في مصر، حيث تُركّز الدولة على الضرائب غير المباشرة كالضريبة على القيمة المضافة التي يتحملها الفقراء أكثر من الأغنياء.
وفي المقابل، لا تزال الضرائب التصاعدية على الأرباح الكبيرة، والشركات العابرة للحدود، والمضاربين العقاريين، شبه غائبة من السياسات الحكومية.
وفي تصريح لافت، قال النائب المعارض أحمد الطنطاوي: "السلطة التي لا تجرؤ على فرض ضرائب حقيقية على الأغنياء، تلجأ دائمًا إلى جيب الفقير، وهذه ليست دولة بل نظام جباية"، إلا أن صوته ضاع وسط أغلبية برلمانية تُتهم بأنها تابعة لأجهزة الأمن لا تمثل الشعب المصري.
سياسة الجباية مستمرة بلا مساءلة
قرار زيادة أسعار السجائر ما هو إلا فصل جديد في مسلسل تحميل المواطن المصري وحده تكلفة فشل النظام الانقلابي في إدارة الدولة، وبينما تستمر الحكومة في الحديث عن "الإصلاح الاقتصادي"، يتزايد شعور المصريين بأنهم يُستنزفون دون أمل في تحسن حقيقي.
وفي ظل غياب الشفافية، واستمرار البرلمان في تمرير القوانين دون نقاش حقيقي، تبقى السياسات المالية أداة قمع اقتصادي في يد سلطة لا تعبأ بمطالب الناس، ولا تعرف سوى طريق الجباية، بينما يتضخم عجز الموازنة ويتسع الفقر وتنهار الثقة في كل مؤسسات الدولة.