خرج وزير النقل في حكومة عبد الفتاح السيسي، الفريق كامل الوزير، أمس الأحد 29 يونيو 2025، بمجموعة من التصريحات الإعلامية التي وصفها كثير من المتابعين بالمستفزة والكاذبة، وسط تدهور مستمر في قطاع النقل وازدياد الحوادث المرورية بشكل مروع.
ففي لقاء تلفزيوني، قال الوزير إن “شبكة الطرق المصرية باتت من الأفضل في الشرق الأوسط”، مضيفًا أن “الحكومة لا تدخر جهدًا في خدمة المواطن”، وهي عبارات رنانة تتناقض مع الواقع الذي يشهده المصريون يوميًا على الطرق السريعة والمتهالكة، وعلى خطوط السكك الحديدية القديمة المليئة بالمآسي.
الأرقام تفضح الإنجاز الوهمي
رغم الإشادة الذاتية التي كررها كامل الوزير، فإن الإحصاءات الرسمية تكذب مزاعمه، فبحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أبريل 2025، ارتفعت نسبة الحوادث على الطرق السريعة بنسبة 14% مقارنة بعام 2023، حيث تم تسجيل أكثر من 13 ألف حادث، أسفر عن مقتل نحو 6 آلاف مواطن، وإصابة عشرات الآلاف.
في حين تراجع ترتيب مصر في مؤشر جودة الطرق الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي إلى المرتبة 115 عالميًا، مقارنة بـ75 عام 2019، أي في ذروة الدعاية لمشروعات البنية التحتية في عهد السيسي.
استعلاء الوزير واستخفافه بالمواطنين
الأكثر إثارة للغضب في تصريحات الوزير كان وصفه لانتقادات المواطنين بـ"الجهل وعدم الفهم"، حيث قال نصًا: “المواطن اللي بيشتكي من الزحمة أو من تذاكر القطار، مش فاهم حجم الشغل اللي بنعمله”.
مثل هذا التصريح يعكس عقلية استعلائية تُهمّش المواطن وتُجرّده من حقه في التعبير والمحاسبة، وبدلًا من الاعتراف بالمشكلات، يصر الوزير على الهروب إلى الأمام مستخدمًا لغة التخوين والتجهيل، وهي سمة بارزة في خطاب السلطة منذ انقلاب 3 يوليو 2013.
المليارات تذهب للخرسانة لا للناس
منذ تعيينه وزيرًا للنقل في مارس 2019، ضخ كامل الوزير مليارات الجنيهات في مشروعات يصفها النقاد بـ"الشكلية"، مثل الكباري العلوية غير الضرورية، والقطارات المكلفة غير المهيئة للمواطن البسيط.
وبحسب بيان وزارة النقل الصادر في مايو 2025، تم إنفاق ما يزيد عن 2.3 تريليون جنيه على مشروعات البنية التحتية للنقل، معظمها من قروض خارجية، دون أن ينعكس ذلك على تحسين جودة الخدمة أو تقليل زمن الرحلات أو أسعار التذاكر، التي تضاعفت في السكك الحديدية بنحو 300% خلال 4 سنوات فقط.
تجاهل الغضب الشعبي وتصاعد الأزمات
ما تجاهله كامل الوزير تمامًا في تصريحاته هو الغضب الشعبي المتصاعد بسبب الأوضاع الكارثية في قطاع النقل، خاصة بعد حادث تصادم أتوبيسين على طريق أسيوط - سوهاج في منتصف يونيو، الذي راح ضحيته 17 مواطنًا.
الحادث الذي لم يزر موقعه أي مسؤول رفيع المستوى يعكس سياسة التجاهل والاستخفاف بالأرواح، وهو نفس النهج الذي سلكه الوزير في تعليقه على كارثة قطار قليوب قبل شهور، حين قال: “الخطأ فردي ومش لازم نضخم الأمور”.
بين فشل الوزير وصمت النظام
تبقى تصريحات كامل الوزير في 29 يونيو مثالًا واضحًا على تآكل العلاقة بين السلطة والمجتمع في عهد السيسي الانقلابي، الوزير، الذي يُنظر إليه كأحد رموز المؤسسة العسكرية المهيمنة على الحكومة، يمارس مهام منصبه كأنها أوامر عسكرية لا تُناقش، لا كمسؤول مدني خاضع للمساءلة، ومع استمرار الكوارث والفشل الإداري، يغيب صوت المحاسبة داخل البرلمان المُعيّن، وتستمر الدولة في مسار التلميع الإعلامي بينما الواقع يزداد سوءًا.
في ظل هذا المشهد، يبدو أن الوزير لا يواجه فقط انتقادات المواطن، بل أيضًا واقعًا لا يمكن تزييفه بالأرقام المضللة، ما يجعل بقائه في منصبه جزءًا من منظومة أكبر تحمي الفشل وتخشى المحاسبة.