في 29 يونيو 2025، أدى رؤساء الهيئات القضائية الجدد اليمين القانونية أمام قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي في مدينة العلمين، في مشهد رسمي يهدف إلى إظهار الاحترام لمكانة القضاء في ما يسمى "الجمهورية الجديدة".
شملت التعيينات المستشار عاصم عبد اللطيف رئيسًا لمحكمة النقض، والمستشار أسامة يوسف شلبي رئيسًا لمجلس الدولة، والمستشار حسين مدكور رئيسًا لهيئة قضايا الدولة، والمستشار محمد حافظ خليل رئيسًا لهيئة النيابة الإدارية.
لكن هذا التغيير في الوجوه لا يعني بالضرورة تغييرًا في نمط القضاء، بل يعكس استمرار سيطرة السلطة التنفيذية على الجهاز القضائي، خاصة بعد التعديلات القانونية التي منحته سلطة اختيار رؤساء الهيئات من بين أقدم سبعة نواب بدلاً من الأقدمية المطلقة، ما يفتح الباب أمام تسييس القضاء وتقويض استقلاله.
من هم رؤساء الهيئات القضائية الجدد؟
المستشار عاصم عبد اللطيف، الذي تم تعيينه رئيسًا لمحكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى، يعد من أقدم القضاة وله خبرة واسعة في القضايا الجنائية.
إلى جانبه، تم تعيين المستشار أسامة يوسف شلبي رئيسًا لمجلس الدولة، والمستشار حسين مدكور رئيسًا لهيئة قضايا الدولة، والمستشار محمد حافظ خليل رئيسًا لهيئة النيابة الإدارية.
هذه التعيينات جاءت وفقًا لتعديلات قانون السلطة القضائية التي تسمح لقائد الانقلاب العسكري باختيار رؤساء الهيئات القضائية من بين أقدم سبعة نواب، وهو ما اعتبره كثيرون محاولة لتثبيت ولاء القضاء للسلطة التنفيذية.
في الوقت نفسه، تم تكريم رؤساء الهيئات القضائية السابقين بمنحهم وسام الجمهورية من الطبقة الأولى، في خطوة رمزية تعكس إغلاق صفحة القضاة السابقين.
لماذا من العلمين؟ ولماذا الشعب مطحون؟
اختيار مدينة العلمين لإقامة مراسم أداء اليمين القانونية لرؤساء الهيئات القضائية الجدد يحمل دلالة رمزية تعكس ما يسميه النظام "الجمهورية الجديدة" ورغبته في بناء دولة القانون.
لكن الواقع مختلف تمامًا، فالشعب المصري يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية حادة، حيث ترتفع معدلات الفقر والبطالة ويشعر المواطنون بأنهم مطحونون في نظام لا يحترم استقلال القضاء ولا يضمن العدالة الحقيقية.
هذه التعيينات تأتي في وقت يشهد فيه القضاء تراجعًا في مصداقيته بسبب تدخلات قائد الانقلاب العسكري، مما يزيد من شعور الإحباط واليأس لدى المواطنين.
مصير القضاة السابقين.. تقاعد مبكر أم إقصاء سياسي؟
رغم التكريم الرمزي لرؤساء الهيئات القضائية السابقين، فإن كثيرًا من القضاة الذين رفضوا تسييس القضاء أو لم يوافقوا على التعديلات تعرضوا للتهميش والإقصاء، هذا التحول في القيادة القضائية يعكس سياسة "تجديد" القضاء عبر استبدال القضاة المستقلين بقضاة موالين للنظام العسكري، هذه السياسة تضع مستقبل القضاء في مهب الريح، وتثير تساؤلات جدية حول مصير استقلال القضاء ودوره في حماية حقوق المواطنين في ظل حكم الانقلاب.
التغييرات القضائية لم تكن مجرد استحقاق قانوني بل جاءت ضمن سياق سياسي معقد، فقد أُبعد بعض الرؤساء السابقين للهيئات القضائية دون توضيح رسمي، ما فتح الباب أمام تفسيرات متباينة، على سبيل المثال، المستشار عادل فهيم رئيس هيئة النيابة الإدارية السابق، لم يكمل سوى عامين في منصبه، رغم أن القانون يسمح له بالبقاء حتى سن السبعين.
ويؤكد مراقبون أن النظام لا يتردد في "تدوير القضاة" إذا لم يظهروا الولاء الكافي أو إذا أبدوا تحفظًا على بعض القضايا الحساسة، خاصة تلك المتعلقة بالمعتقلين السياسيين أو ملفات الفساد الكبرى.
يقول أحد القضاة السابقين (طلب عدم ذكر اسمه): "في عهد السيسي، لم تعد الكفاءة هي المعيار، بل مدى طاعتك وتعليماتك هي التي تحدد مستقبلك في السلطة القضائية."
السيسي يشتري ولاء القضاة بالمناصب والامتيازات
منذ انقلاب يوليو 2013، عمل عبد الفتاح السيسي على ترسيخ علاقة نفعية مع السلطة القضائية، فإلى جانب منح امتيازات مالية ضخمة، كزيادات الرواتب والمخصصات، تم تخصيص وحدات سكنية فاخرة لقضاة بعينهم في العاصمة الإدارية الجديدة، كما تم توسيع صلاحيات رؤساء الهيئات القضائية بما يضمن ولاءهم الكامل.
بحسب تقرير نشرته "مدى مصر" في يونيو 2024، فإن متوسط دخل أحد رؤساء الهيئات القضائية بعد البدلات والمكافآت قد يصل إلى 400 ألف جنيه شهريًا، وهو مبلغ لا يتخيله موظف حكومي أو طبيب شاب، وبحسب خبراء قانونيين، فإن هذه "الامتيازات" تمثل نوعًا من شراء الولاءات بطريقة ناعمة لكنها فعّالة.
هل قائد الانقلاب يشتري ولاء القضاة بالمناصب؟
التعديلات القانونية التي أجريت سمحت لقائد الانقلاب باختيار رؤساء الهيئات القضائية من بين أقدم سبعة نواب، بدلاً من الأقدمية المطلقة، ما فتح الباب أمام تدخل السلطة التنفيذية في تعيينات القضاء.
هذه السياسة اعتبرها معارضون "شراء ولاء" القضاة بالمناصب، حيث يتم تعيين القضاة الموالين للنظام في مناصب قيادية، مما يقوض استقلال القضاء ويحول دون محاسبة السلطة التنفيذية.
تصريحات قائد الانقلاب خلال مراسم أداء اليمين أكدت على أهمية استقلال القضاء، لكنها في الوقت نفسه تعكس إعادة تشكيل القيادات القضائية بما يتوافق مع رؤيته لـ"الجمهورية الجديدة"، مما يثير مخاوف من أن القضاء أصبح أداة بيد النظام العسكري.
بين التقاليد الدستورية والواقع السياسي
رغم تأكيدات نظام الانقلاب على احترام التقاليد الدستورية واستقلال القضاء، فإن الواقع يشير إلى تحكم متزايد للسلطة التنفيذية في الجهاز القضائي، ما يضعف دوره كحارس للحقوق والحريات.
الشعب المصري، الذي يعاني من ضغوط اقتصادية وسياسية، يرى أن هذه التغييرات لا تعني سوى استمرار "مطحنة" النظام لاستبدال القضاة المستقلين بقضاة موالين للنظام العسكري.
في ظل هذه الأوضاع، يبقى السؤال: هل يمكن للقضاء أن يستعيد استقلاليته ويؤدي دوره الحقيقي في حماية العدالة، أم أنه سيظل مجرد واجهة لتثبيت حكم قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي؟