في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الشارع المصري، أعلنت حكومة السيسي الانقلابية إدخال تعديلات جوهرية على قانون التعليم قبل الجامعي، متضمنة فرض زيادات كبيرة في الرسوم الدراسية، وإدخال مادة "الدين" كمادة أساسية في التقييم، في سياق يقول مراقبون إنه يعكس توجهًا سلطويًا نحو مزيد من السيطرة على العملية التعليمية بدل إصلاحها.

التعديلات الجديدة التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم في يونيو 2025 شملت إلزام جميع الطلاب بسداد رسوم إضافية تحت مسمى "دعم التطوير"، وسط أزمة اقتصادية طاحنة يعيشها المواطن، حيث بلغ معدل التضخم السنوي في مصر 37% بحسب تقرير البنك المركزي في مايو الماضي.

 

"الدين مادة نجاح ورسوب".. لماذا الآن؟

أبرز ما جاء في التعديلات المثيرة للجدل هو تحويل مادة التربية الدينية من مادة تُدرس دون تقييم حاسم إلى مادة نجاح ورسوب، مشترطة النجاح فيها للانتقال للصف التالي، هذا القرار الذي جاء بعد خطاب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في فبراير 2025 قال فيه: "لا يمكن أن نستمر في تعليم يخرج شباباً بلا هوية دينية"، فُسر على أنه محاولة لتجميل صورة النظام بعد سنوات من الانفتاح غير المضبوط على مناهج أجنبية واستيراد نظم تعليمية باهظة التكلفة، إلا أن تحويل الدين إلى أداة رقابية في التعليم لن يعالج الأزمات الحقيقية، بل سيفتح الباب لمزيد من التوتر الطائفي والتمييز.

 

القانون الجديد.. ما هي أبرز مواده؟

شملت التعديلات التي تم تمريرها في مجلس النواب في جلسة سريعة بتاريخ 18 يونيو 2025، ما يلي:

  1. تحصيل رسوم دراسية إجبارية تبدأ من 300 جنيه سنويًا للمرحلة الابتدائية، وتصل إلى 1500 جنيه في المرحلة الثانوية.
  2. إلغاء مجانية التعليم الفني تدريجياً، واستبداله بنظام "الشراكة مع القطاع الخاص".
  3. فرض مادة التربية الدينية كمادة أساسية، على أن تعقد لها امتحانات تحريرية يتم احتساب درجاتها في المجموع الكلي.
  4. ربط ترقية المعلمين بالتدريب الإجباري المدفوع، وهو ما يضع أعباءً مالية جديدة على المدرسين، رغم ضعف الرواتب التي لم تتجاوز 5000 جنيه شهريًا لغالبية المعلمين.

هذه التعديلات تمثل، بحسب تصريحات نائب البرلمان السابق هيثم الحريري، "اغتيالاً لفكرة التعليم المجاني الذي نص عليه الدستور".

 

هل تخدم التعديلات الطالب والمعلم؟

رغم ادعاءات وزير التربية والتعليم المزّور محمد عبد اللطيف أن التعديلات "تهدف إلى تحسين جودة التعليم"، إلا أن الواقع يعكس صورة مغايرة، فالتعديلات تضيف أعباء مالية مباشرة على أولياء الأمور، في وقت بلغ فيه الحد الأدنى لمتوسط الدخل الشهري للأسرة 6,000 جنيه، بينما يتطلب تعليم طفلين في المدارس الحكومية بعد التعديلات أكثر من 7,000 جنيه سنوياً، بحسب تقديرات المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

أما المعلم، فبدلاً من رفع راتبه أو تحسين بيئة العمل، أُلزم بدورات تدريبية مدفوعة، دون ربطها بتحسين فعلي في ظروف المدارس أو تخفيض عدد الطلاب في الفصول، الذي تجاوز في بعض المدارس 70 طالبًا.

 

سياسة متعمدة لتخريب التعليم؟

منذ انقلاب 2013، تراجع ترتيب مصر في مؤشرات جودة التعليم وفقًا لتقارير المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث خرجت من قائمة أفضل 130 دولة في جودة التعليم الأساسي عام 2016، ولم تُدرج مجددًا حتى 2024.

ويقول الخبير التربوي الدكتور كمال مغيث إن "ما يجري هو تدمير متعمد للتعليم العام لصالح التعليم الخاص والدولي الذي ترعاه السلطة، بينما يُترك التعليم المجاني ينهار دون تمويل أو تطوير حقيقي".

هذا النهج يربط التعليم بالقدرة المالية، ويقصي فئات واسعة من الطلاب عن فرصة الارتقاء الاجتماعي، ما يخلق أجيالًا مشوهة معرفيًا.

 

لماذا لا يكون التعليم أولوية؟

رغم تعهدات قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة بأن "بناء الإنسان المصري" يبدأ من التعليم، إلا أن الإنفاق الفعلي على التعليم لا يتجاوز 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أقل من النسبة الدستورية المحددة بـ4%.

في المقابل، قفزت ميزانية مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة إلى أكثر من 400 مليار جنيه، وموازنة الوزارات السيادية إلى مستويات غير مسبوقة.

هكذا، يصبح التعليم عبئًا على الحكومة لا استثمارًا في المستقبل، ويُترك الطلاب والمعلمون في مواجهة مصيرهم، في ظل دولة لا ترى في التعليم سوى أداة للضبط، لا التحرر.

 

في ظل هذا المشهد القاتم، يبقى السؤال: هل ما زال هناك أمل في إصلاح التعليم في مصر تحت حكم السيسي؟ الإجابة مرهونة بمدى وعي المجتمع بأن مستقبل أطفاله لا يجب أن يكون ورقة في يد نظام يرى التعليم أداة للسيطرة لا وسيلة للتنمية.