تُعد حوادث الطرق أمرا شائعا في مصر، بسبب سوء حالة الطرق، بالإضافة إلى عدم تطبيق قوانين المرور بشكل صارم ومتساوٍ.

وتوفي، أمس الأحد، خمسة عمال بتصادم عنيف بين ميكروباص استقلوه وسيارة نقل ثقيل عند مدخل الطريق الدائري الأوسطي إلى منطقة شق التعبان جنوب القاهرة. وأوقف الحادث حركة المرور جزئياً على هذا الطريق الحيوي ذي الكثافة المرورية العالية الذي يربط مناطق شرق القاهرة بجنوبها ويخدم حركة النقل بين المحافظات، والذي كان شهد شطره الغربي مقتل 29 شخصاً الجمعة الماضي.

ولاقى حادث الطريق الإقليمي نتيجة اصطدام سيارة نقل ثقيل تحمل سولار وأخرى ميكروباص على الطريق الإقليمي المار بمحافظة المنوفية تعاطفًا كبيرًا مع الضحايا، خاصة أن أعمارهن صغيرة وأغلبهم بين 14 لـ21 عامًا، والذي راح ضحيته 19 فتاة من أبناء قرية السنابسة، كنّ يعملن من أجل لقمة العيش، ووُصف الطريق بـ"طريق الموت" الذي يجسد الخطر اليومي الذي يهدد أرواح الأبرياء.

 

حوادث مشابهة

ويُعد حادث الطريق الإقليمي استمرارًا للحوداث التي شهدتها المحافظات خلال الشهر الأخير، وكانت البداية يوم 31 مايو، في محافظة الغربية، عندما وقع حادق تصادم بين بين سيارة ميكروباص وجرار زراعي على طريق كفر الزيات قصر بغداد، وأسفر عن إصابة 11 شخصًا بإصابات مختلفة.

ووقع حادثان في الإسماعيلية شهر يونيو الجاري، الأول نتيجة تصادم أتوبيس مع سيارة ميكروباص في مركز القصاصين، تسبب في وفاة شخصين وإصابة 21 آخرين، فينا أُصيب 7 أشخاص بينهم أطفال في الحادث الثاني بين سيارتين وأخرى "لودر" أمام منطقة الاستثمار، في مركز أبو صوير.

وتوفي شخص وأُصيب 13 آخرين في حادث أتوبيس مع ميكروباص في طريق مصر – الإسماعيلية، في حادث آخر، توفي معلم وأُصيب 6 أطفال في المراحل الابتدائي والإعدادي في حادث انقلاب سيارة على طريق الشيخ فضل - رأس غارب، ووقع حادث على الطريق الزراعي أمام محافظة المينا، وأسفر عن إصابة 9 مواطنين.

وشهدت محافظة سوهاج، إصابة 12 مراقبًا منتدبًا من إدارة أبنوب التعليمية، إثر حادث مروري أثناء توجههم للمراقبة في لجان امتحانات الثانوية العامة، وأُصيب 10 آخرين في حادث تصادم سيارة نقل وأخرى ميني باص في محور الضبعة الصحراوي.

وفي محافظة دمياط، تسبب حادث تصادم بين سيارة ملاكي وأخرى ميكروباص في إصابة 8 أشخاص، فيما توفي طفل واًصيب 16 آخرين في حادث تصادم سيارة ميكروباص بأخرى ملاكي على طريق القطامية السخنة"، وتعرض 6 أشخاص لإصابات إثر حادث تصادم سيارة ميكروباص وأخرى نقل على طريق الإسكندرية القاهرة الصحراوي.

وتوفي شخص وأُصيب 15 آخرين في حادث سيارة ميكروباس على طريق أسيوط الغربي قبل كارتة دهشور، حيث اختلت عجلة القيادة بيد السائق لتقع الحادثة، ووقعت حادثة أخرى على طريق 26 يوليو، تسببت في وفات 9 أشخاص وإصابة 17، نتيجة حادث بين 3 سيارات ملاكي وميكروباص وأخرى سوزوكي.

وفي حادث تصادم سيارتين ثم انقلاب على الطريق الأوسطي بنطاق مدينة 15 مايو، توفي 4 أشخاص وأُصيب 5 آخرين، وفي الطريق الدائري الأوسطي في الاتجاه من حلوان إلى البدرشين، وقع حادث مروع بانقلاب ميكروباص، ما أدى إلى وفاة 5 أشخاص وإصابة 10 آخرين.

 

أسباب تحول الطريق إلى “طريق الموت

يعاني الطريق الإقليمي من مشاكل حادة في البنية التحتية رغم حداثة إنشائه. يشكو المواطنون من اهتراء الأسفلت وظهور مطبات وحفر بسبب درجات الحرارة العالية. أصبح الطريق يحتوي على مسارات منخفضة ومرتفعة مما يؤدي إلى انقلاب السيارات عند أي انحراف بسيط.

تشمل المشاكل الرئيسية: ضعف الإضاءة أو غيابها تماما في بعض المناطق، ومنحنيات صعبة وخطيرة، وتآكل طبقة الأسفلت وظهور تشققات، ومطبات وضعها الأهالي للتقليل من السرعة.

 

غياب الصيانة الدورية

رغم إنفاق مليار و200 مليون جنيه على الطريق في محافظة المنوفية وحدها، إلا أن الطريق حسب كلام الأهالي لا يزال يعاني من مشاكل جسيمة. هذا يثير تساؤلات حول مصير هذه الأموال وفعالية أعمال الصيانة المنفذة.

 

إحصائيات الحوادث المفزعة

يطلق على الطريق الإقليمي محليا اسم “طريق الموت” حيث تحدث عليه 10 حوادث يوميا في المتوسط. من يونيو 2023 إلى يونيو 2025، شهد الطريق أكثر من 16 حادثة في فترة زمنية قصيرة، أدت إلى مقتل 31 شخصا وإصابة 157 آخرين.

وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد المتوفين في حوادث الطرق بالبلاد 5,260 شخصا عام 2024، فيما سجل عدد إصابات حوادث الطرق 76,362 إصابة في 2024، مقابل 71,016 عام 2023، بنسبة ارتفاع 7.5%.

كان أعلى عدد إصابات على مستوى المحافظات المصرية في محافظة الدقهلية، حيث بلغ 15,563 إصابة، وأقل عدد إصابات في محافظة السويس، حيث بلغ 39 إصابة عام 2024.

وأكد استشاري الطرق، دكتور أسامة عقيل، على أن جزءا كبيرا من حوادث الطرق في مصر يقع بسبب سيارات النقل كبيرة الحجم حيث قال: "تشكل الشاحنات حوالي 20 % من إجمالي المركبات على الطرق، ويؤدي اختلاط تلك الشاحنات بالسيارات العادية على الطريق إلى ارتفاع إمكانيات وقوع الحوادث. فوفقا لعدة إحصائيات، 40% من حوادث الطرق في مصر أحد طرفيها شاحنة"، وفقًا لـ "DW عربية".

أما جهاز التعبئة والإحصاء فقد حصر الأسباب المؤدية لوقوع حوادث السير في العامل البشري بالدرجة الأولى حيث قدر نسبة الحوادث التي وقعت بسبب أخطاء بشرية بـ 75.7%، بينما تسببت الأعطال الفنية في 17.1% من إجمال الحوادث، أما حالة الطرق وصيانتها فأدت إلى وقوع 2.9% فقط من الحوادث.

إلا أن استشاري الطرق، دكتور أسامة عقيل، وصف فهم أسباب وقوع حوادث الطرق في مصر بكونه "خاطئا" لرفضه تحميل العنصر البشري وحده المسؤولية كاملة ويضيف: "أي حادث يقع لعدة عوامل مجتمعة لابد من دراستها بشكل علمي، فعلى سبيل المثال، عند القول بأن حادثا ما وقع بسبب تجاوز السرعة، فلماذا وقع مع قائد تلك السيارة بالتحديد دون غيره من السيارات المتجاوزة للسرعة؟ فعند توفير كل عوامل سلامة الطرق، حينها فقط يمكننا أن نحمل السائق المسؤولية كاملة".

واعتبر عقيل أن مصر تفتقد لوجود إجراءات موحدة معتمدة من كافة الجهات للتعامل مع حوادث الطرق ويقول: "في حالة انحراف السيارة وسقوطها في المياه، على سبيل المثال، يذكر التقرير الطبي الغرق كسبب للوفاة ولا يتم تسجيل الحالة كحادث مروري، أي أن التسجيل يقع بشكل طبي غير إجرائي لانعدام القواعد التي تنظم التعامل مع هذا النوع من الحوادث في مصر".

ويؤدي غياب الإجراءات الموحدة في التعامل مع ذلك النوع من الحوادث، وما يتسبب فيه لاحقا من تقارير طبية تخلو من تسجيل حادث الطرق كسبب للوفاة في كثير من الحالات، في عدم حصول أسر بعض هؤلاء الضحايا والمصابين على تعويضات مالية وعدم تلقي مرتكب الحادث أو المتسبب فيه أحيانا للعقوبة المناسبة.

 

الحاجة لمنظومة إدارة حديثة

وفقا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، نقلا عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة الداخلية بحكومة الانقلاب، وصلت نسبة الوفيات إثر حوادث الطرق ما يعادل 9 أشخاص من بين كل 100 ألف نسمة، بينما في دولة مثل ألمانيا، قريبة من مصر من حيث الحجم وإجمالي عدد السكان، وصلت نسبة الوفيات إثر حوادث الطرق بها إلى 4 أشخاص من بين كل 100 ألف نسمة.