رائحة العنب اختلطت برائحة الموت، وتحولت عربات العمل إلى نعوش متنقلة، مع تكرار مشهد مأساوي صار مألوفًا في الريف المصري، حيث تفترش العاملات الزراعيات الطريق بلا حماية أو تأمين، ويصبح الذهاب إلى لقمة العيش رحلة بلا عودة.
في حادث مأساوي جديد أعاد إلى الأذهان كوارث مشابهة لم تُطوَ صفحتها بعد، لقيت 18 فتاة عاملة مصرعهن وأصيبت ثلاث أخريات، إثر تصادم مروع بين ميكروباص كان يقلهن إلى عملهن في مزرعة عنب، وسيارة نقل ثقيل على الطريق الإقليمي بمركز أشمون بمحافظة المنوفية، صباح الجمعة الماضي.
وقد أثار الحادث صدمة واسعة في الأوساط العمالية والنقابية والسياسية، التي سارعت إلى المطالبة بفتح تحقيق شامل وعاجل لا يقتصر على تفاصيل الحادث فقط، بل يمتد ليفتش في شبكة الإهمال المعقدة التي تفتح أبواب الموت أمام العاملات الزراعيات، وعلى رأسها ظروف التشغيل القاسية، وغياب الرقابة، و"تغاضي الدولة" عن مافيا تشغيل القاصرات بلا إشراف أو حماية.
دار الخدمات: واقع مؤلم تتجاهله الحكومة
في بيان نعي للضحايا، وصفت دار الخدمات النقابية والعمالية ما حدث بأنه "نتاج واقع مرير تتجاهله السياسات الحكومية رغم تكرار المآسي"، مؤكدة أن الحادث يكشف زيف تصريحات رسمية تزعم توفير بيئة عمل آمنة، بينما "لا تبدأ بيئة العمل حتى من أعمار قانونية، ولا تشمل الحد الأدنى من السلامة أو التأمين".
وأشارت إلى أن أعمار الضحايا تتراوح بين 14 و21 عامًا، في مخالفة صارخة لقوانين تشغيل الأحداث، متسائلة: "كيف يمكن الحديث عن سلامة وصحة مهنية وكرامة في بيئة لا تضمن حتى النقل الآمن؟".
اتحاد النقابات: ناقوس خطر جديد
بدوره، قال اتحاد تضامن النقابات العمالية (تحت التأسيس) إن الحادث ليس سوى "ناقوس خطر جديد يطرق أبواب ضمير المجتمع"، مؤكدًا أن العاملات يُسقن يوميًا إلى مصير مجهول بلا إشراف، وطالب بتحقيق جاد وشفاف ومحاسبة المقصرين سواء كانوا من أصحاب العمل أو المسؤولين التنفيذيين.
أحزاب سياسية: الكارثة مرآة لغياب العدالة الاجتماعية
الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي اعتبر ما حدث "كارثة إنسانية" تسلط الضوء على الإهمال المزمن في تأمين الطرق، مطالبًا بوقف حركة المرور على الطريق الإقليمي لحين الانتهاء الكامل من أعمال الصيانة، وتوفير خطة حماية عاجلة للعاملات الموسميات في المناطق الزراعية.
أما الحركة المدنية الديمقراطية، فقد ذهبت أبعد من ذلك، ووصفت الحادث بأنه "مرآة لانعدام العدالة الاجتماعية، وغياب أدنى مقومات الأمان والكرامة للعاملات"، داعية إلى مراجعة شاملة لسياسات تشغيل النساء في الزراعة، خاصة القاصرات.
النقابات الرسمية: تقنين وتشبيك لحماية العمالة غير المنتظمة
رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر عبد المنعم الجمل قال في تصريحات صحفية إن المسؤولية في مثل هذه الحوادث "تضامنية"، تبدأ من صاحب العمل وتشمل الحكومة والأسر، مشددًا على ضرورة "تقنين أوضاع العاملين في القطاع الزراعي، وإنشاء قاعدة بيانات للعاملين والعاملات غير المنتظمين، لتتمكن النقابات من متابعتهم وحمايتهم".