صفقة بمليار دولار
   
أعلنت وزارة المالية المصرية، منتصف يونيو 2025، عن إصدار صكوك سيادية بقيمة مليار دولار لصالح بيت التمويل الكويتي (بيتك)، وذلك ضمن ما وصفته بخطة "تنويع مصادر التمويل وتقليل الاعتماد على الاقتراض المحلي".

الصفقة تمت عبر طرح خاص وليس من خلال اكتتاب عام، ما أثار تساؤلات اقتصادية وسياسية حول طبيعتها وتوقيتها.

الصفقة تزامنت مع تزايد الضغوط المالية على الحكومة المصرية، وسط أزمة سيولة دولارية حادة وارتفاع فاتورة الديون، وهو ما دفع كثيرين لاعتبار الصفقة محاولة يائسة لسد فجوات التمويل المتفاقمة على المدى القصير.
 

ما هي الصكوك؟
   
الصكوك هي أدوات مالية إسلامية شبيهة بالسندات، لكنها تقوم على مبدأ المشاركة في العائد وليس الفائدة، وتُستخدم كأداة لتمويل مشاريع معينة مع ضمان عائد دوري للمستثمر، بعكس السندات، فإن الصكوك ترتبط بأصول ملموسة تُمكن الجهة المصدرة من التصرف بها حال التخلف عن السداد.

وقد بدأت مصر إصدار الصكوك لأول مرة في فبراير 2023، حين طرحت أول صكوك سيادية بقيمة 1.5 مليار دولار في الأسواق الدولية.
 

الأسباب والدوافع خلف الصفقة
   
يرى مراقبون أن الحكومة المصرية تسعى من خلال هذه الصفقة إلى سد العجز المتزايد في الموازنة، خاصة مع تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، وتآكل الاحتياطي النقدي، وتزايد التزامات الديون الخارجية التي وصلت إلى نحو 168 مليار دولار بنهاية 2024، وفق تقرير البنك المركزي المصري.

الباحث الاقتصادي د. مصطفى شاهين أشار في تصريح صحفي إلى أن "التوسع في أدوات الدين الخارجي، بما في ذلك الصكوك، يعكس حالة الإفلاس المالي التي تمر بها الدولة، ويضع أصول البلاد رهينة للمؤسسات الأجنبية".
 

لماذا التوقيت مهم؟
   
توقيت الصفقة يحمل دلالات لافتة، إذ جاء بعد أيام من تقارير تفيد بتأخر صرف دفعة جديدة من قرض صندوق النقد الدولي بسبب "عدم التزام الحكومة المصرية بإجراءات تحرير الاقتصاد"، وفق ما نقلته وكالة بلومبيرغ.

كما جاء بعد قرار البنك المركزي المصري بتثبيت أسعار الفائدة رغم معدلات التضخم المرتفعة التي تجاوزت 32% في مايو 2025، ما يعكس عجز الحكومة عن استخدام أدواتها النقدية لمعالجة الاختلالات.
 

انتقادات أكاديمية وحقوقية
   يرى الأكاديمي المصري المقيم في الخارج، د. سيف عبد الفتاح، أن "نظام السيسي حول الدولة إلى سوق مفتوح للبيع، لا يحكمه قانون أو تخطيط استراتيجي، بل مجرد قرارات مرتجلة لإنقاذ نظام فقد شرعيته منذ انقلابه في 2013".

أما الخبير المالي د. أحمد ذكرالله فحذر من أن "الصكوك السيادية ستمنح للمستثمرين الخليجيين حق التحكم في أصول مصرية استراتيجية، خاصة إذا تم رهن أراضٍ أو مشاريع عامة كضمان للصكوك".
 

ما المخاطر الاقتصادية؟
   بحسب تقارير صادرة عن مؤسسة "فيتش" و"موديز"، فإن مصر باتت "على حافة التخلف عن السداد"، ووضعت تصنيفها الائتماني عند مستوى B- مع نظرة سلبية.

ووفق دراسة لمركز كارنيغي للشرق الأوسط في 2024، فإن 57% من موازنة مصر تذهب لخدمة الدين، فيما ارتفع العجز الكلي إلى نحو 9.8% من الناتج المحلي الإجمالي.

هذه المؤشرات تعني أن الصكوك، وإن وفرت سيولة مؤقتة، إلا أنها تفاقم الديون وترهن مستقبل الأجيال القادمة.
 

ما البدائل التي لم يلجأ لها النظام؟
   
يشير محللون إلى أن الحكومة لم تطرق أبواب إصلاح حقيقي، بل استمرت في سياسات الإنفاق غير المنتج على مشروعات ضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، في حين تجاهلت دعم الزراعة والصناعة والتعليم.

الخبير الاقتصادي د. عبد الحافظ الصاوي يقول إن "السلطة العسكرية لا تسعى للإصلاح بل للبقاء، لذا تواصل الرهان على القروض بدلاً من إعادة توزيع الموارد أو محاربة الفساد".
 

تحذير
   
صفقة بيع الصكوك لبيت التمويل الكويتي تمثل محاولة يائسة لشراء الوقت في مواجهة انهيار اقتصادي محتمل، ولكنها تعمّق من تبعية القرار السيادي المصري لمراكز التمويل الخارجي، وتكشف عن انسداد أفق السياسات الاقتصادية لحكومة ما بعد انقلاب 2013.

ووفق ما أشار إليه تقرير لمنتدى الشرق للدراسات في مارس 2025، فإن "الاقتصاد المصري بات محكومًا بالديون، ومسار الإصلاح لا يمكن أن يبدأ من أدوات الاقتراض بل من أدوات السيادة والعدالة".

وتبدو مصر، تحت حكم السيسي، وكأنها تبيع أوراقها الأخيرة، ليس فقط اقتصاديًا بل سياسيًا، بعد أن أصبح الاستقرار مرهونًا برضا المؤسسات المانحة والمستثمرين الأجانب، لا بإرادة شعبها أو كفاءة مؤسساتها، وهكذا تصبح الصكوك، التي كانت في يوم من الأيام أداة تنمية، أداة رهن سيادي لمستقبل البلاد.