في ظل حكم قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، تتصاعد أزمة الإيجار القديم في مصر كواحدة من أكثر القضايا العقارية والاقتصادية إلحاحاً وتعقيداً، بينما يعيش ملايين المستأجرين في وحدات بأسعار زهيدة تعود لعقود ماضية، يعاني الملاك من تجميد عوائد ممتلكاتهم، ومع تصاعد أصوات المؤجرين للمطالبة بتحرير العلاقة الإيجارية، يتهم كثيرون نظام الانقلاب الحالي بالمماطلة في حسم الملف وتجاهل معاناة الملاك لصالح كسب شعبية زائفة لدى المستأجرين.
القانون المتجمد منذ عقود
ترجع أزمة الإيجار القديم إلى قوانين تم سنها خلال القرن الماضي، خاصة قانون إيجار الأماكن رقم 49 لسنة 1977، والذي تم تعديله أكثر من مرة دون المساس بجوهر الأزمة وهي تثبيت القيمة الإيجارية، حيث يعيش أكثر من 7 ملايين مواطن في وحدات سكنية وتجارية بإيجارات رمزية لا تتعدى في كثير من الأحيان 5 جنيهات شهرياً، بينما تآكلت قيمة الجنيه بشكل كبير منذ تعويمه في 2016 وحتى اليوم.
ورغم دعوات متكررة من نواب في البرلمان وملاك العقارات، لم تتخذ الحكومة أي خطوة جادة سوى تعديل القانون بشكل جزئي يخص الوحدات الإدارية والتجارية في عام 2019، دون المساس بالوحدات السكنية التي تمثل لب الأزمة.
موجة احتجاجات الكترونية..
في الأشهر الأخيرة، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي حملات واسعة النطاق من قبل الملاك المتضررين، تصدرت هاشتاجات مثل #تحرير_عقود_الإيجار_القديم و #حق_المالك_راجع و #كفاية_ظلم_للملاك منصات تويتر وفيسبوك، مطالبين بسرعة إصدار تشريع يعيد لهم حقوقهم المسلوبة، وشارك الآلاف في حملات الكترونية وثّقوا فيها قصص معاناتهم مع مستأجرين يرفضون الإخلاء رغم وفاة المستأجر الأصلي منذ سنوات.
كما تداول الناشطون تصريحات لرئيس لجنة الإسكان السابق بمجلس نواب الانقلاب، علاء والي، الذي أكد عام 2020 أن "تحرير العلاقة الإيجارية بات ضرورة حتمية"، وهو ما لم يُترجم إلى قانون حتى اليوم، مما اعتبره البعض دليلاً على تواطؤ السلطة مع بعض رجال الأعمال والمستفيدين من بقاء الوضع كما هو.
الملاك... شريحة مسحوقة
يتحدث الملاك عن معاناة يومية تتعلق بعدم قدرتهم على الاستفادة من أملاكهم، خاصة من توارثوا عقارات عن آبائهم وأجدادهم في مناطق حيوية، مثل وسط القاهرة والزمالك وحلوان والإسكندرية، حيث تصل القيمة السوقية للوحدات إلى ملايين الجنيهات، بينما يحقق المالك منها دخلاً لا يتجاوز مئات الجنيهات سنوياً.
وأكدت رابطة ملاك الإيجار القديم في بيان لها في مايو 2025 أن "النظام الحالي يتعمد تجاهل قضيتنا رغم وعوده منذ 2014 بإصلاح التشريعات الظالمة".
وأضاف البيان أن أكثر من 60% من العقارات الخاضعة للإيجار القديم آيلة للسقوط نتيجة عدم قدرة الملاك على صيانتها، مما يهدد حياة قاطنيها أنفسهم.
المحامي المعتقل..
شهدت قضية الإيجار القديم تطورات أمنية مثيرة للجدل، حيث تم اعتقال المحامي عصام، أحد نشطاء رابطة الدفاع عن المستأجرين بالإسكندرية، أثناء توجهه للمشاركة في اجتماع تأسيسي للرابطة في مايو 2025.
هذا الاعتقال يأتي في إطار تضييق أمني على نشاطات الدفاع عن حقوق المستأجرين، مما أثار انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان والحقوقيين الذين يرون في ذلك محاولة لقمع الأصوات المعارضة للتعديلات الجديدة التي تضر بمصالح المستأجرين.
يُذكر أن المحامي المعتقل كان من أبرز المدافعين عن حقوق المستأجرين في مواجهة التعديلات التشريعية، وقد طالب بإعادة النظر في بعض بنود القانون التي اعتبرها مجحفة بحق المستأجرين، خاصة في ظل غياب ضمانات كافية لحمايتهم من الإخلاء القسري.
في سياق متصل، وضمن محاولات إسكات الأصوات المطالبة بحقوق الملاك، اعتقلت سابقاً سلطات الانقلاب المحامي أحمد مجدي في مارس 2025، وهو من أبرز المدافعين عن تحرير العلاقة الإيجارية وممثل عدد من الروابط الحقوقية الخاصة بملاك الإيجار القديم.
ووجهت له تهم "نشر أخبار كاذبة" و"التحريض ضد مؤسسات الدولة"، عقب ظهوره في بث مباشر ينتقد فيه "تآكل العدالة العقارية" و"خذلان البرلمان للمواطنين المالكين".
وحتى يونيو 2025، لا تزال جلسات تجديد حبسه تتوالى في نيابة أمن الدولة العليا، وسط صمت من نقابة المحامين وتجاهل إعلامي رسمي، واعتبر ناشطون أن القبض عليه رسالة مباشرة لكل من يطالب بحقوقه خارج الإطار الذي يحدده النظام
وعود السيسي الكاذبة
رغم تصريحات متكررة من زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي عن "العدالة الاجتماعية" و"تحديث البنية التشريعية"، فإن ملف الإيجار القديم ظل حبيس الأدراج، ففي مؤتمر الشباب السابع عام 2019، قال السيسي: "علينا أن نوازن بين حماية المواطن البسيط وحقوق الملاك"، دون أن يتبع ذلك أي قرارات تنفيذية.
وفي مارس 2024، أعادت لجنة الإسكان في برلمان الانقلاب طرح مشروع قانون جديد لتحرير العلاقة الإيجارية تدريجياً خلال خمس سنوات، لكن تم سحب القانون فجأة دون مبررات واضحة، مما زاد من حدة الاحتقان بين الملاك.
نظام يماطل
بين تزايد انهيارات العقارات القديمة، وغضب الملاك، وعجز الدولة عن الحسم، تبدو أزمة الإيجار القديم في مصر نموذجاً للفشل المزمن في إدارة الملفات الاجتماعية العادلة في ظل نظام الانقلابي عبد الفتاح السيسي، الذي يفضل التوازنات السياسية على حساب العدالة الحقيقية.