في تصعيد مثير للجدل، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منشور على منصة “تروث سوشيال” التي يمتلكها، أمس الأحد، إن الولايات المتحدة “مولت بغباء” سد النهضة الإثيوبي في عهد الديمقراطيين.
وأوضح ترامب في منشوره، الذي تناول فيه جهوده لإقرار السلام في مناطق مختلفة في العالم، أن سد النهضة تسبب في “تخفيض تدفق مياه النيل إلى مصر بشكل مهم”، لكنه مع ذلك “حافظ على السلام بين مصر وإثيوبيا“، على حد قوله.
وكان ترامب يشير إلى جهوده في إبرام اتفاقيات سلام أو تهدئة بين العديد من الدول حول العالم، وذكر بينها مصر وإثيوبيا وقال "لن أحصل على جائزة نوبل للسلام لقاء الحفاظ على السلام بين مصر وإثيوبيا" ثم انتقد ما وصفه بـ"التمويل الغبي" من أمريكا للسد الإثيوبي.
ولعب ترامب دور الوسيط في مفاوضات سد النهضة، في عامي 2019 و2020، عندما استضافت واشنطن المفاوضات برعاية وزير الخزانة الأمريكي وبمشاركة من البنك الدولي، لكنها فشلت في نهاية المطاف بعد رفض إثيوبيا التوقيع، وفقًا لـ"روسيا اليوم".
وشن ترامب هجوما لاذعا على أديس أبابا وقال أمام الكاميرات إن مصر قد تعمد إلى "تفجير السد، لأنها لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة"، كما قال عن مصر: "كان ينبغي عليهم إيقافه قبل وقت طويل من بدء إنشائه".
كيف دعّمت أمريكا بناء سد النهضة؟
ومن جهته، كشف الدكتور محمود أبوزيد، وزير الري الأسبق، تفاصيل الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إثيوبيا في بناء سد النهضة خلال السنوات الماضية.
وقال "أبو زيد"، إن الولايات المتحدة الأمريكية دعمت الحكومة الإثيوبية في بناء سد النهضة، من خلال شقين أولهما الشق السياسي حيث عمدت الحكومة الأمريكية طوال السنوات الماضية، على دعم المشروع سياسيًا من خلال حشد دول العالم على تأييد الفكرة ودعمها وكان أبرز المستجيبين لها إسرائيل والصين، وفقًا لـ"مصراوي".
وتابع: "كما دعمت الحكومة الأمريكية عملية تشييد سد النهضة من خلال تمويل المشروع ماديًا دون الكشف عن تفاصيل الدعم والمبلغ الذي يتضمنه".
وعن سبب دعم أمريكا لإثيوبيا في فكرة بناء سد النهضة، قال أبو زيد: "لا أعتقد أن أمريكا دعمت الحكومة الإثيوبية من أجل مشروع تنمية ببلادهم بل الهدف الرئيسي الذي تستهدفه أمريكا هو الضغط على مصر من أجل مصالحها".
وأعرب "أبو زيد"، عن استنكاره لتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تتعلق بسد النهضة.
الرد الإثيوبي
من جانبها، تعهدت إثيوبيا السبت عدم "الرضوخ لأي نوع من الاعتداءات" بعدما هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السد الضخم الذي تبنيه على نهر النيل وأشار إلى أن مصر قد تدمره.
ودافع مكتب رئيس الوزراء أبيي أحمد عن سد النهضة الإثيوبي الكبير الذي يفترض أن يصبح أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، وقال إن إثيوبيا تعمل على حل المشكلات القائمة منذ فترة طويلة بشأن المشروع مع السودان ومصر.
وقال مكتبه في بيان "مع ذلك، ما زالت التصريحات بتهديدات حربية لإخضاع إثيوبيا لشروط غير عادلة كثيرة. هذه التهديدات والإهانات للسيادة الإثيوبية هي انتهاكات واضحة للقانون الدولي".
وأضاف البيان "إثيوبيا لن تخضع لأي اعتداء من اي نوع كان".
ونشرت نسخة منفصلة من البيان باللغة الأمهرية بلهجة أكثر حدة.
وجاء فيها "هناك حقيقتان أكدهما العالم. الأولى أنه لم يعش أحد بسلام بعد استفزاز إثيوبيا. والثانية هي أنه إذا وقف الإثيوبيون متحدين لغرض واحد (...) فإنهم سينتصرون".
كما عقب وزير المياه والطاقة الإثيوبي هبتامو إتيفا، على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقال الوزير في تغريدة على منصة إكس السبت الماضي: "سد النهضة هو مشروع محلي بناه الشعب من أجل الشعب، وليس بمساعدات أجنبية!".
أخطار سد النهضة
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد أعلن أمام برلمان بلاده، في نوفمبر 2024، أن بناء سد النهضة اكتمل بنسبة 100%.
وأضاف أن نسبة إجمالي المياه المحتجزة في بحيرة السد بلغت 62.5 مليار متر مكعب، ومن المتوقع أن تبلغ المياه المحتجزة في بحيرة سد النهضة حتى ديسمبر المقبل ما بين 70 و71 مليار متر مكعب من إجمالي السعة الكلية للسد البالغة 74 مليار متر مكعب.، وفقًا لـ"الجزيرة مباشر"
ومنذ سنوات تطالب حكومة السيسي بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي قانوني ملزم بشأن ملء السد وتشغيله الذي بدأ بناؤه في 2011، ولا سيما في أوقات الجفاف، لضمان استمرار تدفق حصتيهما من مياه نهر النيل، وهو ما ترفضه أديس أبابا.
التأثير في سنوات الجفاف
وحذرت دراسات عدة من تراجع ما يصل إلى مصر من مياه النيل، خاصة في فترات الجفاف، بسبب إقامة سد النهضة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تقلص مساحة الأراضي الزراعية في مصر، وتراجع إنتاجها من المحاصيل الزراعية المختلفة.
يشار إلى أن دراسة حديثة لباحثين بجامعة “تكساس إيه آند إم” الأمريكية حذرت من أن سد النهضة قد يتسبب في فقدان مصر ثلث مساحتها الزراعية سنويا خلال سنوات الجفاف.
وأشارت الدراسة إلى أن مصر والسودان لم تشعرا حتى هذه اللحظة بتأثيرات كبيرة لسد النهضة، وذلك نتيجة الهطول الغزير للأمطار الناجم عن التغيرات المناخية في منطقة حوض النيل، مما أسهم في تعويض كميات المياه التي احتجزها السد حتى الآن.
عجز حكومة السيسي في سد النهضة
رغم حرصها الدائم على إظهار مصر كطرف قوي في قضية المياه، فقد كشفت تصريحات ترامب بالممارسة عن هشاشة الموقف المصري. إذ يبدو أن السيسي فشل في إنجاز صفة تفاوضية تُثبّت موقفها، ولم يستطع تشكيل سياسة فعّالة تحمي حصة مصر من النيل. تعليق ترامب بأن مصر “قد تضطر” للقيام بأفعال قاسية لو لم تُجْرَ مفاوضات عملية، أظهر افتقار السيسي إلى أدوات ضغط متنوعة تُعول على الشراكة الدولية لتأمين مصالح مصر.
وكشفت تصريحات ترامب ثلاث سجالات مؤثرة:
- ضعف استراتيجية مصر الدبلوماسية، فاعتمادها الكبير على وساطة خارجية يجعلها تبدو في موقع ضعيف.
- تراجع مصداقية الدور الأميركي كوسيط حيادي، بعد التجاوزات السياسية والانحياز.
- يقظة الحس الوطني الإثيوبي الذي لا يرحب بأي تدخل خارجي في شأن السد.
مصر بلا حيلة!
وأثار منشور ترامب سيلا من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، نظرا للأهمية الكبرى التي يحظى بها ملف سد النهضة في مصر، الذي لا يزال موضع تفاوض بين مصر وإثيوبيا والسودان منذ سنوات طويلة.
وكتبت إحدى الناشطات على منصة إكس “الديمقراطيين مولوا بناء سد النهضة، وترامب خايف على مصلحة مصر وبيعاقب إثيوبيا. حد يفهّمنا اللي بيحصل”.
https://x.com/zouzou01872316/status/1936494913853468966
وأعاد ناشط آخر إلى الأذهان حديث ترامب في عام 2020 عن أن “مصر قد تلجأ في نهاية المطاف إلى تفجير سد النهضة إذا استمر الحال على ما هو عليه”.
https://x.com/msr3y1/status/1936515403733233816
ورفض ناشط آخر ما ذكره ترامب تماما، وقال إن إثيوبيا، بعد أن أُغلقت في وجهها أبواب التمويل، اعتمدت على شعبها لتمويل سد النهضة.
https://x.com/AbdushekurHass2/status/1936455096633614635
بينما أعرب مستخدمو رديت الإثيوبيون عن رفضهم لأي تطاول خارجي على سيادتهم، معبرين عن اعتزازهم بأن السد "تمويله محلي"، وهذا يعكس تنامي روح الانتماء لدى الشعب الإثيوبي، وتشككهم في نوايا التدخلات الخارجية.