في خطوة وُصفت من قبل الإعلام الرسمي بـ"الاستثنائية"، أعلنت حكومة الانقلاب المصرية، برئاسة مصطفى مدبولي، عن إطلاق "الحزمة الاجتماعية 2025" والتي تشمل زيادات جزئية في الرواتب والمعاشات وبعض المزايا للعاملين بالجهاز الإداري للدولة، لكن الحزمة خلت بشكل صادم من أي إعلان عن رفع الحد الأدنى للأجور، رغم تضخم فاقم القدرة الشرائية وواقع اقتصادي ضاغط، ما أثار غضب شريحة واسعة من المواطنين والخبراء على حد سواء.
تفاصيل الحزمة..
وفق البيان الرسمي الصادر عن مجلس الوزراء في 19 يونيو 2025، تشمل الحزمة الاجتماعية:
- صرف علاوة استثنائية بقيمة 600 جنيه شهريًا
- رفع حد الإعفاء الضريبي إلى 60 ألف جنيه سنويًا
- زيادة معاش "تكافل وكرامة" بنسبة 15%
- صرف منحة مقطوعة للموظفين بمناسبة عيد الأضحى قدرها 1000 جنيه
لكن غاب تمامًا أي إعلان عن رفع الحد الأدنى للأجور، الذي لا يزال عند حدود6 آلاف جنيه شهريًا للقطاع الحكومي، في ظل تضخم سنوي تخطى 32 % حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة تتجاوز 70% في بعض القطاعات، بحسب تقارير مستقلة.
الحزمة التفافية..
يرى الدكتور أحمد عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان، أن الحزمة الاجتماعية "تمثل رشوة مؤقتة لتهدئة الشارع قبل موجات غلاء جديدة قادمة في ضوء اتفاقيات صندوق النقد"، مضيفًا أن "عدم رفع الحد الأدنى للأجور في بيئة تضخمية يعني خصمًا حقيقيًا من دخل المواطن".
ويشير تقرير صادر عن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" أن "أكثر من 56% من المصريين العاملين بأجر يحصلون على أقل من 5 آلاف جنيه شهريًا، أي تحت خط الفقر الفعلي"، معتبرًا أن الحزمة مجرد "مناورة سياسية" لا تمس جذور الأزمة.
لماذا تجاهلت الحكومة رفع الأجور؟
وفق تحليل للباحث الاقتصادي عبد السلام عماد، فإن الحكومة امتنعت عن رفع الحد الأدنى للأجور لأسباب مرتبطة بترشيد النفقات العامة ضمن التزامات قرض صندوق النقد الدولي الجديد البالغ 8 مليارات دولار، والذي يشترط "ضبط فاتورة الأجور والدعم تدريجيًا".
لكن عماد يحذر من أن "هذا النهج التقشفي يهدد الاستقرار الاجتماعي، في بلد يعيش فيه أكثر من 30 مليون تحت خط الفقر وفق تقديرات البنك الدولي، ويعاني فيه 80% من العاملين في القطاع غير الرسمي من انعدام الحماية الاجتماعية".
تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة
يشير تقرير حديث صادر عن مركز "كارنيغي" للشرق الأوسط إلى أن "السياسات المالية التي تنتهجها حكومة السيسي تفتقر للعدالة التوزيعية، وتؤدي إلى توسع الفجوة الطبقية وتآكل الطبقة الوسطى"، محذرًا من "انفجارات اجتماعية صامتة".
وفي الوقت الذي تُمنح فيه امتيازات ضريبية واستثمارية غير مشروطة لكبار رجال الأعمال والقطاعات العسكرية والجهات السيادية، لا يجد المواطن البسيط إلا الفتات، في ظل استمرار الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة (14%) ورفع أسعار الخدمات العامة.
التناقض الحكومي.. وعود براقة مقابل واقع مرير
خلال كلمته في افتتاح مشروعات في بني سويف مطلع يونيو، صرّح قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي بأن "المواطن المصري في عيني، وكل ما نقوم به من أجله"، إلا أن الواقع يشير إلى سياسات مستمرة في تجاهل احتياجات الفئات الأكثر هشاشة.
ويرى الخبير في السياسات العامة الدكتور محمد أبو العلا أن "الانقلاب العسكري في 2013 غيّر طبيعة الدولة المصرية من دولة ذات بعد اجتماعي إلى دولة أمنية نيوليبرالية"، حيث تحكم الأولوية للمشروعات الكبرى (مثل العاصمة الإدارية التي تجاوزت تكلفتها 900 مليار جنيه) على حساب الإنفاق الاجتماعي الحقيقي).
المواطن يدفع الثمن
في استطلاع رأي ميداني أجرته منصة "مدى مصر" على عينة من العاملين في قطاعات التعليم والصحة، عبّر 73% من المشاركين عن عدم رضاهم عن الحزمة، وقال أحد المعلمين: "600 جنيه زيادة؟! ما يكفوش وجبة غدا في الشهر".
ويخلص تقرير صادر عن منظمة Human Rights Watch إلى أن "حكومة السيسي أخفقت في الالتزام بالحد الأدنى من الحقوق الاقتصادية للمواطن، وتتعامل مع معيشته بوصفها ورقة تفاوض لا التزام دستوري".
سياسة استرضاء لا إصلاح
رغم الطابع الدعائي للحزمة الاجتماعية الجديدة، فإن تجاهل رفع الحد الأدنى للأجور يُعد مؤشرًا خطيرًا على استمرار نهج التجاهل الحكومي للمطالب الاجتماعية والاقتصادية للمواطن البسيط، وفي ظل غياب الشفافية والمساءلة البرلمانية الحقيقية، تظل الحزم المالية مجرد أدوات لتسكين الغضب الشعبي، لا لمعالجة جذر الأزمة المتفاقمة.