أعلنت وزارة البترول بحكومة الانقلاب المصرية يوم الجمعة 13 يونيو 2025 تفعيل ما وصفته بـ"حالة طوارئ الغاز"، في أعقاب توقف الإمدادات من الشرق؛ في إشارة واضحة إلى انقطاع الغاز الإسرائيلي المصدر إلى مصر.
ورغم صياغة القرار في إطار فني، فإن تفعيله يعكس عمق الأزمة الاقتصادية والطاقوية التي تواجه البلاد، في ظل تراجع الإنتاج المحلي، وتقلص الاحتياطيات، وتزايد الاعتماد على الواردات.
ماذا يعني تفعيل "طوارئ الغاز"؟
تفعيل "طوارئ الغاز" يعني تطبيق خطة معدة مسبقاً لضمان استقرار إمدادات الغاز الطبيعي في البلاد، عبر تحديد أولويات التزويد، وإيقاف إمدادات الغاز لبعض الأنشطة الصناعية غير الحيوية، ورفع استهلاك محطات الكهرباء للمازوت والسولار إلى أقصى حد ممكن كإجراء احترازي للحفاظ على استقرار شبكة الغاز وعدم اللجوء إلى تخفيف أحمال الكهرباء.
كما تم استخدام سفن "إعادة التغييز" التي وصلت إلى مصر لضخ الغاز الطبيعي إلى الشبكة القومية، في محاولة لتعويض النقص الناتج عن توقف الإمدادات
"طوارئ الغاز" تعني عمليًا إعادة جدولة استهلاك الغاز محليًا، بما في ذلك تقليص مخصصات المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة، وقطع التيار الكهربائي بشكل دوري في بعض المحافظات، وتوجيه المتاح من الغاز لتوليد الكهرباء الأساسية، وسط صيف لاهب واستهلاك مرتفع.
انقطاع الغاز من إسرائيل.. ضربة مزدوجة
بحسب تقارير غربية نقلتها "بلومبرغ" و"رويترز"، فإن الانقطاع ناتج عن اضطرابات في الشبكة الإسرائيلية نتيجة تصعيد أمني، ما أدى لتوقف تصدير الغاز إلى مصر.
وتُعد إسرائيل المورد الرئيسي للغاز إلى مصر منذ 2020، حيث تستورد القاهرة يوميًا ما يصل إلى 800 مليون قدم مكعب لاستخدامه في السوق المحلية أو إعادة تصديره بعد تسييله.
انقطاع الإمدادات أدى إلى انخفاض فوري في قدرات التوليد الكهربائي، مع زيادة عدد ساعات فصل الكهرباء في محافظات الوجه البحري والصعيد، وعودة الشكاوى من تراجع جودة الخدمة، ما يهدد استقرار قطاعات حيوية كالسياحة والصناعة.
تناقض فجّ: الطوارئ للمصريين.. والغاز للصادرات!
رغم إعلان "الطوارئ"، لم تتوقف الحكومة عن تصدير الغاز المسال إلى أوروبا، عبر محطات دمياط وإدكو، في محاولة لجلب عملة صعبة.
وأكد تقرير صادر عن وكالة "ستاندرد آند بورز" أن مصر واصلت تصدير أكثر من 1.5 مليون طن من الغاز المسال في الربع الأول من 2025، رغم التوترات الإقليمية، ما يثير علامات استفهام عن أولويات النظام.
الخبير في الاقتصاد السياسي د. هاني عزيز وصف السياسة بأنها "قمة العبث"، مضيفًا "النظام لا يهمه سوى تأمين الدولار بأي ثمن، ولو على حساب الشعب. يقطع الكهرباء عن المستشفيات والبيوت، بينما يضخ الغاز إلى أوروبا".
تداعيات اقتصادية مرهقة
يعاني الاقتصاد المصري من أزمات متراكمة، حيث بلغ معدل التضخم السنوي في مايو 2025 أكثر من 36 %، مع تراجع الاحتياطي النقدي إلى 22 مليار دولار، مقارنة بـ40 مليار قبل 3 سنوات، وفق بيانات البنك المركزي.
الاعتماد على تصدير الغاز كأحد "محركات الاقتصاد" بات مقامرة محفوفة بالمخاطر في ظل عدم استقرار الإمدادات، وضعف الإنتاج المحلي، ما يؤدي إلى ارتباك في ميزان الطاقة، واضطرار الدولة للجوء إلى الاستيراد بأسعار مرتفعة.
أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، د. مجدي إبراهيم، يؤكد أن: "استراتيجية تصدير الغاز في ظل انقطاع الإمدادات الخارجية وعدم الاكتفاء الذاتي تعني أن المواطن هو الحلقة الأضعف، وسيتم تحميله ثمن الفشل الرسمي".
رغم ترويج حكومة الانقلاب للسياحة كأداة لتعويض عجز العملة الأجنبية، فإن استمرار انقطاع الكهرباء في مناطق سياحية مثل الأقصر وأسوان والغردقة يهدد بتراجع الثقة الدولية، ويعزز الصورة السلبية لمناخ الاستثمار والخدمات.
تقارير من اتحاد الغرف السياحية أفادت بتسجيل شكاوى متزايدة من سائحين أوروبيين بسبب "الظلام والانقطاعات المستمرة"، ما قد ينعكس على الحجوزات القادمة في ذروة موسم الصيف.
أزمة طاقة أم أزمة حكم؟
ما يحدث ليس أزمة عابرة في الإمدادات، بل انعكاس لانهيار بنية التخطيط والإدارة، الباحث الاقتصادي د. شريف القناوي يشير إلى أن: "سياسات السيسي اعتمدت على بيع الأوهام: اكتفاء ذاتي وهمي، وحقول غاز مبالغ في إنتاجها. ما يحدث الآن يكشف الواقع".
ويضيف: "منذ توقيع صفقة الغاز مع إسرائيل في 2018، لم تقم الحكومة بتطوير حقيقي لشبكات النقل أو زيادة إنتاجية الحقول المحلية. كل الرهان كان على الغاز الإسرائيلي".
النتيجة: دولة تستهلك ما لا تنتج وتصدر ما لا تملك
من منظور اقتصادي، فإن ما يجري يعكس فلسفة حكم تقوم على "التضحية بالمواطن من أجل إنقاذ النظام"، فبينما تتزايد المعاناة اليومية بسبب انقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار، تواصل الدولة دعم الصادرات والإنفاق العسكري، وتجميد خطط الإصلاح الهيكلي.
تقارير دولية من البنك الدولي وصندوق النقد أشارت إلى أن مصر بحاجة إلى "تحول عميق في إدارة الموارد"، لكن يبدو أن النظام يفضل الاستمرار في إدارة الأزمة لا حلها.
"الطوارئ" ليست حلاً
إعلان "طوارئ الغاز" هو عرض مباشر لحالة من الفشل الإداري والتخطيط المزمن، وليس مجرد استجابة ظرفية، تفعيل الطوارئ بينما تستمر الصادرات وتنهار الخدمات، يعكس نمطًا متكررا في عهد السيسي: التضحية بالداخل لكسب رضا الخارج، أما المواطن المطحون فليس له من نصيب سوى المعاناة.