في الوقت الذي تُعد فيه السياسة الخارجية مرآة لمكانة الدولة وهيبتها، تكشف المقارنة بين فترة حكم الرئيس الراحل الشهيد محمد مرسي (2012-2013) وقائد الانقلاب الحالي عبد الفتاح السيسي (2014-2025) عن اختلاف جوهري في نمط التعامل مع القوى الدولية والإقليمية، وخاصة مع الولايات المتحدة ودول الخليج.

اعتمد الرئيس محمد مرسي، خلال فترة حكمه القصيرة (2012-2013)، نهجاً يقوم على الندية والتكافؤ في العلاقات الخارجية، خاصة مع دول الخليج والولايات المتحدة، فقد سعت الرئاسة المصرية في عهده إلى بناء علاقات متوازنة مع القوى الدولية والإقليمية، دون الارتهان لأي طرف، مع التركيز على المصالح الوطنية المصرية أولاً.

فبينما سعى مرسي إلى ترسيخ سياسة خارجية ندّية مستقلة، انزلق السيسي إلى مسار التبعية والانبطاح السياسي، ما انعكس على السيادة الوطنية والكرامة الدبلوماسية.
 

السياسة الأمريكية.. بين الندية والتبعية
   
خلال عام حكمه، تبنّى مرسي خطاباً حاداً تجاه الولايات المتحدة في ملفات متعددة أبرزها القضية الفلسطينية والتدخل الأمريكي في المنطقة، ففي خطابه الشهير بالأمم المتحدة في سبتمبر 2012، قال: "نحن نرفض التدخل الأجنبي في شؤون دول المنطقة، وعلى الولايات المتحدة أن تفهم أن الشعوب لم تعد تقبل بالوصاية".

كما دعا مرسي إلى مراجعة اتفاقية كامب ديفيد بما يضمن "الكرامة المصرية"، وهو ما أثار قلقاً أمريكياً واضحاً تم التعبير عنه بتقارير الكونغرس وتحذيرات مراكز أبحاث.

في المقابل، تبنّى الانقلابي السيسي منذ وصوله إلى الحكم سياسة قائمة على ضمان الرضا الأمريكي بأي ثمن، ففي عام 2018، كشفت صحيفة واشنطن بوست أن الانقلابي السيسي وافق على بنود أمنية موسعة لصالح إسرائيل وأمريكا في سيناء مقابل استمرار المساعدات العسكرية السنوية (1.3 مليار دولار).

كما وصفه ترامب خلال لقائهما في 2019 بـ"ديكتاتوره المفضل"، وهو ما اعتبره مراقبون "إهانة دبلوماسية" صمتت عنها الخارجية المصرية.
 

العلاقات الخليجية.. من الشراكة إلى الارتهان
   
سعى مرسي لبناء علاقات ندّية مع دول الخليج، زار قطر والسعودية، ورفض التورط في صراعات المحاور، ولم يطلب دعماً مالياً مباشراً، بل ركز على جذب الاستثمارات، وقُدّر حجم الدعم الخليجي المباشر في عهده بأقل من 2 مليار دولار على شكل ودائع ميسّرة ومساعدات محدودة.

في المقابل، تلقّى الانقلابي السيسي بعد الانقلاب في 2013 دعماً ضخماً من السعودية والإمارات والكويت فاق 30 مليار دولار خلال أول ثلاث سنوات، حسب تقرير بلومبيرغ في 2016.

وفي 2022، كشفت وثائق سعودية مسرّبة عن أن الرياض كانت "تشتري الولاء المصري" لضمان مصالحها في البحر الأحمر واليمن. وتظهر سياسات السيسي انحيازاً شبه مطلق للسياسات الخليجية، من حرب اليمن إلى مقاطعة قطر.
 

أرقام وتواريخ ودلالات

  • في عهد مرسي (2012-2013)، بلغ إجمالي المساعدات الخليجية لمصر أقل من 2 مليار دولار، معظمها من قطر، في حين امتنعت السعودية والإمارات عن دعم مباشر.
  • في عهد الانقلابي السيسي (2013-2017)، تجاوزت المساعدات الخليجية 20 مليار دولار، شملت منحاً وقروضاً وصفقات نفطية، إضافة إلى استثمارات إماراتية وسعودية واسعة النطاق.
  • في 2016، أوقفت السعودية المساعدات النفطية لمصر بسبب خلافات سياسية، ما كشف هشاشة الاعتماد المصري على الدعم الخليجي.
  • في 2015-2019، أصبحت مصر ثالث أكبر مستورد للأسلحة عالمياً، معظمها بتمويل خليجي أو بقروض أثقلت كاهل الاقتصاد المصري.

 

العلاقات الدولية بين الندية والدونية
منذ توليه السلطة في 2014، انتهج الانقلابي عبد الفتاح السيسي سياسة خارجية مختلفة جذرياً، اتسمت بالدونية والارتهان، خاصة تجاه دول الخليج والولايات المتحدة.

  • الخليج: بعد الإطاحة بمرسي، سارعت السعودية والإمارات والكويت إلى دعم نظام السيسي بمساعدات مالية ضخمة بلغت نحو 7 مليارات دولار في الأشهر الأولى، مع تعهدات إضافية وصلت إلى 12 مليار دولار بعد فوزه بالرئاسة.
    هذا الدعم ارتبط، وفق تقارير أكاديمية، بمخاوف الخليج من الإخوان المسلمين، وليس بقوة الدور المصري.
    ويرى باحثون أن مصر أصبحت "تدور في فلك الدول الخليجية المانحة"، ما انعكس على استقلالية قرارها الإقليمي، وأدى إلى تراجع دورها القيادي عربياً، وتهميشها في قضايا محورية مثل اليمن وليبيا وسوريا.
     
  • الولايات المتحدة: شهدت العلاقات مع واشنطن توترات بعد الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي، حيث علقت أمريكا بعض المساعدات العسكرية وألغت مناورات مشتركة، إلا أن السيسي سرعان ما سعى لإعادة الدفء للعلاقات عبر صفقات عسكرية واقتصادية كبرى، بلغت قيمتها مليارات الدولارات، في مقابل غض الطرف الأمريكي عن ملف حقوق الإنسان والديمقراطية في مصر.

 

الملف الفلسطيني.. بين المقاومة والحصار
   تبنّى مرسي موقفاً داعماً واضحاً للمقاومة الفلسطينية؛ ففي نوفمبر 2012، أرسل وفداً رفيعاً إلى غزة أثناء العدوان الإسرائيلي، وأمر بفتح معبر رفح لدخول المساعدات، ما أكسبه شعبية واسعة عربياً، وقال في كلمة مسجلة: "غزة ليست وحدها، ومصر لن تقف متفرجة على قتل الأبرياء".

على النقيض، حافظ الانقلابي السيسي على علاقات أمنية وثيقة مع إسرائيل، وأغلق معبر رفح لفترات طويلة، وشارك في حصار غزة.

بل كشف تحقيق أعده معهد الشرق الأوسط 2023 أن مصر سمحت بتوسيع منطقة عازلة على حدود رفح بعد تنسيق أمني مع تل أبيب.

وخلال الحرب الأخيرة على غزة 2023، واجه الانقلابي السيسي انتقادات حادة من منظمات حقوقية بسبب تعامله "البيروقراطي والمهين" مع الجرحى واللاجئين الفلسطينيين.

يرى الخبير السياسي الدكتور حسن نافعة أن مرسي "حاول أن يؤسس لسياسة خارجية مستقلة، تنتمي لروح ثورة يناير"، مشيراً إلى أنه "رغم ضغوط الخليج وأمريكا، لم ينحنِ".

بينما يصف الباحث عبد الخالق فاروق سياسة السيسي الخارجية بأنها "بيع للقرار المصري مقابل حفنة دولارات"، موضحاً أن "الهيمنة الخليجية أصبحت تتدخل حتى في تعيينات الإعلام والوزارات".

كما تشير دراسة لمركز كارنيغي 2020 إلى أن "مصر في عهد الانقلابي السيسي فقدت قدرتها على لعب دور إقليمي فاعل، وتحولت إلى تابع لأجندات تملى عليها من الرياض وأبو ظبي وواشنطن".
 

أسباب التحول وتداعياته
التحول الجذري في السياسة الخارجية بين مرسي والسيسي يعود لأسباب مركبة، أبرزها:

  • الشرعية الشعبية لمرسي التي منحته هامش استقلال أكبر.
  • تبعية السيسي للمانحين الإقليميين والدوليين، خاصة بعد تدهور الاقتصاد المصري.
  • سعي النظام الانقلابي الحالي لتثبيت حكمه داخلياً بأي ثمن، ولو على حساب الكرامة الوطنية.

أما التداعيات، فتشمل:

  • فقدان الدور المصري التاريخي في إفريقيا والعالم العربي.
  • تصاعد النفوذ الإماراتي والسعودي في ملفات مصرية حساسة كميناء العين السخنة والموانئ.
  • ارتهان القرار المصري للمساعدات الخارجية، كما في أزمة سد النهضة حيث ظهر ضعف التحرك الدولي.

 

أخيراً.. بينما رفع مرسي شعار "مصر لن تركع"، يبدو أن سياسة الانقلابي السيسي الخارجية اتخذت مساراً "انبطاحياً" دفع ثمنه الشعب المصري من هيبته وقراره المستقل، وبينما سعى مرسي لفرض مصر كدولة صاحبة كرامة، قبل الثاني أن تكون "تابعاً مأجوراً"