شهدت مصر خلال العقد الأخير تفاوتًا كبيرًا في السياسات الاقتصادية التي انعكست بوضوح على معدلات الفقر، بينما اتسمت فترة الرئيس الشهيد محمد مرسي بقصرها 2012-2013 ومحاولات أولية للتخفيف من أعباء الفقراء، فإن عهد الانقلابي عبد الفتاح السيسي منذ 2014 اتجه إلى سياسات تقشفية وبرامج إصلاح اقتصادي بدعم من صندوق النقد الدولي، زادت من معاناة الطبقات الدنيا، بحسب تقارير دولية ومحلية.

عند تسلم السيسي حكم الانقلاب عام 2014، كانت نسبة الفقر تقدر بـ 26.3% من السكان، وفق بيانات رسمية.
أما في السنوات التالية، فقد ارتفعت هذه النسبة بشكل ملحوظ لتصل إلى نحو 30 مليون فقير بنسبة تقارب 29.7% في 2021، حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

بعض خبراء الاقتصاد يشيرون إلى أن النسبة الحقيقية قد تصل إلى ثلثي السكان، بسبب تلاعب في الأرقام الرسمية وغياب الشفافية.
في عهد مرسي، رغم الأزمات السياسية والاقتصادية، شهد معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي ارتفاعاً من 1.8% إلى 2.4% خلال الأشهر التسعة الأولى من حكمه، مع محاولات للحفاظ على الدعم وعدم المساس بأسعار السلع الأساسية
 

الفقر في عهد مرسي.. سياسات جزئية في ظل قيود الدولة العميقة
   
رغم أن فترة حكم مرسي لم تتجاوز عامًا، إلا أن معدل الفقر الرسمي ارتفع حينها بنسبة طفيفة من 25.2% في 2010/2011 إلى 26.3% في 2012/2013، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
لكن اللافت أن حكومة هشام قنديل حينها شرعت في توسيع مظلة الدعم التمويني وزيادة معاش الضمان الاجتماعي بنسبة 25%، مع دعم مباشر للفلاحين والمزارعين.

يقول الباحث الاقتصادي عبد الخالق فاروق: "رغم القيود الشديدة التي فرضتها الدولة العميقة على حكومة مرسي، إلا أن محاولاته لإعادة توجيه الدعم نحو الفئات الأضعف كانت حقيقية، وإن لم تكتمل."

كما أطلقت الحكومة حينها مبادرة "كفاية" لتوفير السلع الأساسية للفقراء بأسعار رمزية، وتم رفع الحد الأدنى للأجور لموظفي الدولة إلى 1200 جنيه.
ويرى محللون أن ذلك كان جزءًا من توجّه لتخفيف العبء على الفئات الدنيا، رغم الضغوط الاقتصادية والسياسية الهائلة.
 

السيسي.. إصلاح اقتصادي أم تضييق على الفقراء؟
   
منذ 2014، تبنّت حكومات السيسي المتعاقبة سياسة "الإصلاح الهيكلي" بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، أبرز ملامحها تعويم الجنيه في نوفمبر 2016، ما أدى إلى تضاعف أسعار السلع الأساسية وارتفاع معدلات الفقر.
بحسب تقرير البنك الدولي 2019، فإن نحو 60% من المصريين إما فقراء أو عرضة للفقر.

كما أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل الفقر ارتفع إلى 32.5% في 2017/2018، قبل أن يتراجع لاحقًا إلى 29.7% في 2019/2020، ثم يُقدّر غير رسميًا أنه تجاوز 33% مجددًا في 2023 بسبب التضخم.

يقول الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية: السيسي حوّل ملف الفقر إلى مجرد أداة دعائية عبر حملات مثل "حياة كريمة" دون تغيير حقيقي في بنية التوزيع العادل للثروة."
 

أرقام الفقر ومعدل التضخم في عهد السيسي

  • التضخم بلغ ذروته عام 2017 بنسبة 33% عقب التعويم.
  • تجاوزت نسبة الزيادة في أسعار الغذاء 70% في بعض المناطق الفقيرة وفقًا لتقارير دولية.
  • ارتفع سعر الدولار من 7 جنيهات إلى أكثر من 47 جنيهًا في السوق الموازية بحلول مايو 2025.
  • تقرير البنك الدولي 2022 أشار إلى أن نحو 80% من المصريين يقل دخلهم عن 150 دولارًا شهريًا.

ويعزو الدكتور أحمد ذكر الله، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، هذا التدهور إلى تفضيل النظام الحالي "المشروعات الكبرى غير المنتجة مثل العاصمة الإدارية والقطارات الفاخرة، بدلاً من تنمية الصعيد وتحفيز الصناعات الصغيرة والمتوسطة."
 

الدين العام والاقتصاد الكلي
   مرسي اعتمد على ودائع من دول صديقة مثل تركيا وقطر، ووافق بحذر على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، في محاولة للحفاظ على استقرار الاقتصاد.
أما في عهد السيسي، فقد ارتفع الدين العام بشكل غير مسبوق، حيث زادت الديون المحلية والخارجية بنسب تجاوزت 18% و20% على التوالي في 2019، مع تراكم ديون تجاوزت ما جلبته 5 رؤساء سابقين خلال 60 عاماً.

كما شهدت مصر هروب استثمارات أجنبية بقيمة 21 مليار دولار، بحسب تقارير اقتصادية.
 

تحذيرات المجتمع الدولي المستمرة
   صندوق النقد نفسه، رغم دعمه لحكومة الانقلاب، أصدر في تقاريره تحذيرات متكررة من "ضعف شبكة الأمان الاجتماعي" وعدم شمول برامج الدعم مثل "تكافل وكرامة" لكافة المحتاجين.

تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا لعام 2023 وصف الفقر في مصر بأنه "هيكلي ومتعمق"، مشيرًا إلى غياب سياسات فعالة في التعليم والصحة والإنتاج الزراعي.
 

الدولة تحارب الفقراء لا الفقر
   
في ندوة عقدها مركز كارنيغي 2024، أشار الباحث عمرو عدلي إلى أن "الفقر في عهد السيسي أصبح وظيفة بنيوية بفعل الضرائب غير المباشرة وتحرير أسعار الطاقة، ما أضعف الطبقة الوسطى ودفع الملايين نحو الفقر المدقع."

بدورها، كتبت الصحفية والناشطة رشا عزب: المواطن الفقير في عهد السيسي لم يفقد الدعم فقط، بل فُرضت عليه ضرائب ورسوم حتى على الهواء، من الكهرباء إلى التعليم إلى النقل العام.
 

تكشف المقارنة بين مرسي والسيسي في ملف الفقر عن نهجين مختلفين:

  • مرسي سعى لتوسيع الدعم رغم ضعف الإمكانيات وقصر الفترة.
  • السيسي اختار طريق تعمّيق الفجوة بين الأغنياء والفقراء.