شهد ملف الغذاء في مصر تحولات جذرية بين عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي (2012-2013) وعهد قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي (2014 حتى الآن).

وتبرز هذه التحولات بشكل خاص في سياسات تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية، وعلى رأسها القمح، إضافة إلى إدارة الدعم الغذائي، وتأثيرات هذه السياسات على الأمن الغذائي المصري. هذا التقرير يرصد الفوارق الجوهرية بين العهدين من منظور معارض لحكم السيسي، مدعماً بالأرقام، التصريحات، وتحليلات أكاديميين وتقارير بحثية.
 

غذاء المصريين بين رئاستين
   
شهد ملف الأمن الغذائي في مصر تحولات جوهرية بين فترة حكم الرئيس مرسي والانقلابي الحالي السيسي، فبينما ركّز مرسي على دعم الفلاح المصري وتقليل الاعتماد على الاستيراد، توسّعت سياسات السيسي في الاقتراض ورفع الدعم التدريجي، ما فاقم أزمات الغذاء، ورفع الأسعار بشكل غير مسبوق.
 

القمح من محاولات الاكتفاء إلى ارتهان الاستيراد
   
في عهد مرسي، بلغت كمية القمح المحلي التي تم توريدها في موسم 2013 نحو 3.7 مليون طن، وهي أعلى من المواسم السابقة، وفق بيانات وزارة التموين، حيث اعتمدت الحكومة على تسعير مشجع للفلاح المحلي بلغ 400 جنيه للإردب وقتها.

كما أعلن مرسي في أبريل 2013 خطة طموحة للوصول إلى 80% من الاكتفاء الذاتي بحلول 2017.

في المقابل، كشف تقرير البنك الدولي (2023) أن مصر في عهد السيسي أصبحت أكبر مستورد للقمح في العالم بكمية تفوق 12 مليون طن سنويًا. وبعد الحرب الأوكرانية، ارتفعت فاتورة استيراد القمح إلى أكثر من 5.5 مليار دولار، ما أثقل كاهل الموازنة.

ورغم وعود السيسي بمشروعات زراعية كـ"مستقبل مصر" و"الدلتا الجديدة"، فإن تقرير المركز المصري للدراسات الاقتصادية (2024) وصفها بـ"باهظة التكاليف وضعيفة العائد الغذائي".
 

الأسعار والتضخم الغذائي.. مقارنة قاسية
   في فترة حكم مرسي، بلغ معدل التضخم الغذائي السنوي في عام 2013 حوالي 7.8%، بينما بلغ سعر كيلو الأرز أقل من3 جنيهات، ورغيف الخبز المدعوم بـ5  قروش دون تغيير، فيما كانت البطاطس والطماطم تباع بأسعار متوازنة.

 

أما في عهد السيسي، فوفقًا لجهاز الإحصاء 2024، قفز معدل التضخم الغذائي إلى 42 %  في بعض الشهور، وبلغ سعر الأرز البلدي 40 جنيهًا، بينما اختفى السكر والزيت المدعوم من الأسواق لفترات طويلة. وارتفع سعر "طبق البيض" من 12 جنيها في 2014 إلى 85 جنيها في 2025، حسب بيانات الشعبة العامة للمواد الغذائية.
 

الدعم الغذائي.. من التثبيت إلى التصفية
   حافظ مرسي خلال عام حكمه على دعم رغيف الخبز دون تقليص، بل طوّر منظومة توزيع الخبز الإلكتروني للحد من الإهدار والفساد، كما وُزعت السلع الأساسية على البطاقات التموينية بأسعار ثابتة.

أما السيسي، فقد شهدت فترته سلسلة من قرارات رفع الدعم التدريجي، وألغى الدعم النقدي عن ملايين المستفيدين.

وفي أغسطس 2022، صرّح وزير التموين علي المصيلحي بأن "سعر رغيف الخبز يجب أن يُرفع"، وهو ما أثار موجة غضب شعبي، لكن تم تأجيل القرار.

وتشير دراسة لمعهد كارنيغي (2023) إلى أن "نحو 62% من المصريين أصبحوا لا يقدرون على شراء غذاء كافٍ يوميًا".
 

سوء التغذية يتفاقم
   
وفق تقرير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (2023)، يعاني أكثر من 31%  من الأطفال المصريين من سوء تغذية مزمن، بينما يعاني نحو 22% من السكان من انعدام أمن غذائي متوسط أو شديد، مقارنة بـ14% فقط في 2013.

وفي تصريحات لصحيفة "الفاينانشال تايمز" (2024)، أشار الباحث الاقتصادي مايكل دنلوب إلى أن "سياسات النظام المصري ركزت على مشروعات استعراضية بدلاً من الاستثمار في منظومة الغذاء، ما أدى إلى أزمة ثقة بين المواطن والدولة".
 

فساد المنظومة أم إخفاق السياسات؟
   
يرى الخبير الزراعي الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، أن "الفرق بين مرسي والسيسي في ملف الغذاء هو أن الأول حاول إصلاح المنظومة من الجذور، بينما الثاني اعتمد على الاستيراد بلا خطة اكتفاء ذاتي".

وأضاف أن "التركيز على مشروعات مثل الصوامع في عهد مرسي كان له أثر مباشر في تقليل الفاقد من القمح".

بينما علّق الدكتور أحمد الركايبي، الرئيس الأسبق للشركة القابضة للصناعات الغذائية، بأن "فترة السيسي شهدت خصخصة غير معلنة للغذاء، وأصبح الأمن الغذائي مرهونًا بتقلبات الدولار".
 

أي مستقبل للغذاء؟
   تكشف المقارنة بين مرسي والسيسي في ملف الغذاء عن تحول جذري من سياسات الاكتفاء والاستثمار في الإنتاج المحلي إلى الاعتماد على الاستيراد وتحرير الأسعار، وبدلاً من حماية الفقراء، أصبح غذاء المصريين رهينة السوق العالمية والقرارات التقشفية، ما يهدد الأمن الغذائي ويزيد من الاحتقان الشعبي.

وفي ظل هذه السياسات، يبدو أن الشعار الأقرب للواقع اليوم: "الغذاء لمن استطاع إليه سبيلًا".