وسط صمت رسمي وتواطؤ دولي، تتزايد حالات الوفاة داخل السجون السعودية، لا نتيجة لأحكام بالإعدام أو أعمال عنف داخل الزنازين، بل بفعل سياسة الموت البطيء: الإهمال الطبي، والعزل، والتنكيل النفسي.

آخر الضحايا كان الداعية والأكاديمي السعودي قاسم القثردي، الذي قضى نحبه عن 70 عامًا، بعد أربع سنوات من الاعتقال التعسفي، ضمن حملة لا تتوقف على المعارضين السلميين وأصحاب الرأي.
 

وفاة جديدة تُعيد فتح الملف المسكوت عنه
   منظمة "سند" الحقوقية أعلنت وفاة القثردي داخل أحد السجون السعودية، بعد تدهور حالته الصحية ورفض السلطات الإفراج عنه رغم المناشدات والتقارير الطبية.
كان القثردي قد اعتُقل على خلفية اتهامات فضفاضة أبرزها "الإخلال بالنظام العام"، وهي تهمة شائعة تُستخدم في السعودية لقمع كل من يخرج عن السردية الرسمية أو يطالب بإصلاح سلمي.

ورغم أن الحكم القضائي الصادر بحقه تضمن ثماني سنوات سجنًا تليها ثماني سنوات منعًا من السفر، إلا أن قضاءه الحقيقي كان داخل زنازين "الإعدام البطيء".

مدير عمليات "سند"، سامر الشمراني، وصف الوفاة بأنها "ليست استثناء، بل جزء من نمط ممنهج في معاملة المعتقلين السياسيين، خاصة المسنين، بالحرمان من العلاج والإهمال المقصود الذي يرقى إلى القتل المتعمّد".
 

مشهد الموت... في زمن التجميل الإعلامي
   المفارقة التي كشفت التناقض العميق بين الصورة التي تحاول السعودية تسويقها عالميًا وواقعها الداخلي، أن وفاة القثردي تزامنت مع زيارة الخبيرة الأممية المعنية بحقوق المسنين، والتي مُنعت من لقاء شخصيات مسنّة معتقلة، بينهم الداعيتان سلمان العودة وسفر الحوالي.

وصفت المسؤولة الأممية المنع بأنه "خرق صريح للشروط المرجعية" الخاصة بالزيارات الميدانية، وفضحت بذلك ازدواجية السلوك السعودي: فتح الأبواب أمام الكاميرات والمؤتمرات، وإغلاقها أمام لجان التحقيق.
 

الزنازين تتحول إلى مقابر للمعارضين
قاسم القثردي ليس الوحيد. بل هو مجرد حلقة جديدة في سلسلة من الوفيات داخل سجون المملكة نتيجة الإهمال الطبي.
من أبرز الحالات:

  • عبد الله الحامد (69 عامًا) – توفي في 2020 بعد تدهور صحته وإهمال علاجه.
  • موسى القرني (67 عامًا) – توفي في 2021 في ظروف غامضة بعد 15 عامًا من الاعتقال.
  • أحمد العماري (69 عامًا) – توفي في 2019 بعد شهور من الإهمال الطبي.

هؤلاء وغيرهم كانوا إصلاحيين، لم تُنسب إليهم أي تهم تتعلق بالعنف أو الإرهاب. بل كان ذنبهم الوحيد أنهم دعوا إلى دستور، وحقوق، ومجتمع مدني.
 

كبار السن في المعتقلات... نسيان مقصود وإذلال ممنهج
التقارير الحقوقية، بما فيها منظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومبادرة سند، تشير إلى أن عشرات المعتقلين المسنين ما زالوا خلف القضبان رغم تدهور حالاتهم الصحية. أبرزهم:

  • سفر الحوالي (75 عامًا)
  • سلمان العودة (69 عامًا)
  • زهير كتبي
  • عوض القرني
  • عايدة الغامدي

وتوثّق الشهادات أن بعض هؤلاء يُجبرون على العمل القسري داخل السجون مقابل الحصول على "امتيازات" كزيارة الأهل أو تلقي الأدوية.
 

تلميع خارجي... وجدران داخلية دامية
تعليقًا على هذه المفارقة، قالت الباحثة في "هيومن رايتس ووتش"، جوي شيا: "إذا كانت السعودية جادة بشأن استضافة إكسبو 2030 وكأس العالم 2034، فعليها أن تبدأ بإطلاق سراح المعتقلين تعسفيًا، خاصة من يحتاجون رعاية صحية عاجلة".

لكن الواقع يُظهر العكس: السلطة تنفق المليارات على حملات العلاقات العامة، بينما ترفض إجراء أي إصلاح حقيقي داخل سجونها أو في منظومتها القضائية التي تُدين أولًا، ثم تُحقّق لاحقًا.
 

من المسؤول؟
   الانتهاكات الواسعة التي تطال معتقلي الرأي في السعودية تمرّ غالبًا دون محاسبة، بفضل تسييس القضاء وتخويف المجتمع المدني المحلي، وتجاهل المجتمع الدولي – لا سيما الحلفاء الغربيين الذين يضعون المصالح الاقتصادية فوق حقوق الإنسان.
 

خلف الواجهة المبهرة… دولة تخاف من الرأي
   قاسم القثردي، مثل عبد الله الحامد وموسى القرني من قبله، لم يكن يحمل سلاحًا، بل رأيًا؛ لكنه دُفن في الزنزانة.
الدولة التي ترفع شعار التحديث والانفتاح، ما زالت تُخفي معارضيها خلف الجدران، وتُمارس "القتل الإداري" دون إطلاق رصاصة واحدة.