بينما تبرّر إسرائيل هجومها العسكري الأخير على إيران برغبتها في تدمير ما تصفه بـ"البرنامج النووي التهديدي لطهران"، تتواصل حالة من الصمت الدولي المطبق حيال الترسانة النووية الإسرائيلية، التي تشير تقارير عديدة إلى وجودها منذ عقود، دون أن تعترف بها تل أبيب رسمياً أو تخضع لرقابة دولية.

هذا التناقض الصارخ، أو ما يُسمّى بـ"ازدواجية المعايير"، يكشف كيف يساند الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، رواية إسرائيل حول منع الانتشار النووي في الشرق الأوسط، بينما يتجاهل تماماً ما يُعرف بـ"البرنامج النووي السري" الإسرائيلي، الذي يتنامى في الخفاء خارج أطر معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT).
 

دعم غربي أعمى رغم الانتهاكات
   
الولايات المتحدة، التي تعارض بشدة امتلاك إيران لأي قدرة نووية عسكرية، لم تمارس ضغوطًا حقيقية على إسرائيل للكشف عن برنامجها النووي أو الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار.
بل إن مجموعة السبع، في بيانها الصادر يوم 16 يونيو 2025، عبّرت عن دعمها لإسرائيل، ووصفت إيران بأنها "مصدر عدم استقرار في الشرق الأوسط"، دون أي إشارة إلى الترسانة النووية الإسرائيلية.

صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أكدت في تقرير حديث أن إسرائيل تدير برنامجًا نوويًا سريًا، يُعتقد أنه في توسّع مستمر.
وتُطرح أسئلة متزايدة حول سبب تجاهل المجتمع الدولي لهذا البرنامج، في الوقت الذي تُحاصر فيه دول مثل إيران وكوريا الشمالية بسبب أنشطتها النووية المعلنة أو المشتبه بها.
 

أكاديميون: إسرائيل خارجة عن القانون الدولي
   يرى أكاديميون أن السياسة النووية الإسرائيلية تتناقض بشكل صارخ مع قواعد القانون الدولي.
وقال الأكاديمي النمساوي هاينز جارتنر إن إسرائيل لم تقبل إخضاع منشآتها النووية لاتفاق الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولم توقّع على معاهدة حظر الانتشار النووي، ومع ذلك لا تُدرج قضيتها حتى على جدول أعمال مجلس الوكالة الدولية.

وأشارت الكاتبة البريطانية التونسية سمية الغنوشي في مقال بموقع Middle East Eye إلى الدور الفرنسي التاريخي في بناء منشأة "ديمونا" النووية الإسرائيلية، مشيرة إلى أن فرنسا شاركت سراً في تأسيس الترسانة النووية الوحيدة غير المُعلنة في الشرق الأوسط، في خرق صارخ للقانون الدولي.
 

أدلة غائبة والموساد في الواجهة
   من جانبه، قال الباحث سامي العريان، مدير مركز الإسلام والشؤون العالمية، إن المزاعم حول وجود برنامج أسلحة نووية إيراني نشط لا تستند إلى أي دليل حاسم.
ولفت إلى أن "الأرشيف الذري" الذي كشفه الموساد عام 2018 لم يقدّم أي إثبات فعلي على وجود سلاح نووي إيراني نشط.

العريان أشار إلى أن تقديرات أجهزة الاستخبارات الوطنية الأميركية أكدت منذ 2003 أن إيران أوقفت برنامجها النووي العسكري، ولم تستأنفه منذ ذلك الحين.
 

سياسة الغموض والردع الإسرائيلي
   
تُعرف السياسة النووية الإسرائيلية بـ"الغموض المدروس" أو "العميموت"، حيث لا تعترف إسرائيل بامتلاكها قنابل نووية، لكنها لا تنفي ذلك أيضًا.
وبموجب هذه السياسة، تحافظ على ميزة الردع دون التورّط في سباق تسلح إقليمي معلن.

تشير تقارير متعددة إلى أن إسرائيل تمتلك ما لا يقل عن 90 رأساً نووياً، أنتجت باستخدام البلوتونيوم المستخرج من مفاعل "ديمونا"، الذي بُني بمساعدة فرنسية في خمسينيات القرن الماضي.

ووفقاً لمنظمة "الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية"، فإن إسرائيل تملك ثاني أصغر ترسانة نووية بين الدول التسع المعروفة بامتلاك السلاح النووي، وتسبق فقط كوريا الشمالية.
 

ديمونا: القلعة النووية المغلقة
   
يقع البرنامج النووي الإسرائيلي في منشأة "ديمونا" في صحراء النقب، وهي منطقة مغلقة لم يسبق لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية دخولها.
ورغم زيارات محدودة لعلماء أمريكيين في الستينيات، لم تُسجّل أي عمليات تفتيش دولية فعلية منذ ذلك الحين.

صور الأقمار الصناعية كشفت خلال السنوات الأخيرة أعمال بناء وتحديث داخل المنشأة، وأشار تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى احتمال تطوير مفاعل جديد لإنتاج البلوتونيوم المستخدم في الأسلحة النووية.
 

الاعتراف الذي لم يأتِ رسميًا... ولكنه تسرّب
   
رغم تمسّك إسرائيل بسياسة الغموض، فإن عدداً من المسؤولين لمحوا – عن قصد أو دون قصد – إلى امتلاك السلاح النووي.
رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت قال صراحة في مقابلة تلفزيونية عام 2006 إن بلاده تملك أسلحة نووية، لكنه عاد وتراجع تحت ضغط الانتقادات الداخلية.

وفي نوفمبر 2024، أثار وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو جدلاً واسعًا عندما قال إن "إلقاء قنبلة نووية على غزة خيار ممكن".
ورغم تعرضه لتوبيخ علني من نتنياهو، احتفظ بموقعه في الحكومة، مؤكداً لاحقًا دعمه لهذا التوجّه، ما اعتُبر إقرارًا ضمنيًا بامتلاك إسرائيل للسلاح النووي.
 

عقبة أمام الشرق الأوسط الخالي من السلاح النووي
   
يشكّل رفض إسرائيل للانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي عقبة رئيسية أمام جهود إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وهي المبادرة التي طُرحت منذ عام 1995.
وعلى الرغم من دعم معظم دول المنطقة لها، فإن الفيتو الأميركي والدعم الأوروبي لإسرائيل حال دون تنفيذها.

في مؤتمر 2015 لمراجعة المعاهدة، اقترحت الدول العربية قرارًا يُلزم إسرائيل بالانضمام إلى المعاهدة وإخضاع منشآتها النووية للتفتيش، لكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا أحبطت القرار، لتبقى إسرائيل خارج دائرة المساءلة الدولية.