بعد مرور 12 عاماً على انقلاب 3 يوليو 2013، الذي مهّد لتولي عبد الفتاح السيسي الحكم، تتكشف المفارقة الصارخة في مواقف عدد من كبار الإعلاميين والسياسيين الذين شكّلوا رأس الحربة في الحملة الإعلامية ضد الرئيس الراحل الشهيد محمد مرسي، لا سيما في ملفات الغلاء والكهرباء وسعر صرف الدولار.
هؤلاء الذين صدّعوا آذان المصريين بتحذيرات من "الانهيار الاقتصادي في عهد مرسي"، باتوا اليوم صامتين أو مبررين أمام أزمات تتفاقم تحت حكم السيسي، في مفارقة تكشف عمق الفشل السياسي والإعلامي والاقتصادي الذي تعيشه مصر منذ الانقلاب.
هجومٌ إعلامي على مرسي... على أي أساس؟
في عهد محمد مرسي (يونيو 2012 – يوليو 2013)، كان انقطاع التيار الكهربائي، الذي لم يكن يتجاوز ساعتين يومياً في بعض المناطق، سبباً رئيسياً للهجوم الإعلامي المنسق ضده، مذيعون مثل أحمد موسى ولميس الحديدي ويوسف الحسيني، اتهموا مرسي بالفشل والعجز عن إدارة البلاد، واستضافوا يومياً محللين ومسؤولين سابقين لتصوير الأزمة كدليل على انهيار الدولة.
بل إن المرشح الرئاسي الأسبق حمدين صباحي وصف أزمة الكهرباء في عهد مرسي بـ"إحدى علامات الإفلاس السياسي"، داعياً لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
أما اليوم؟
في يونيو 2024، عادت أزمة الكهرباء لتضرب البلاد بشدة، حيث أعلنت وزارة الكهرباء عن خطة يومية لفصل التيار تصل إلى 4 ساعات في العديد من المحافظات، بينها القاهرة والجيزة.
اعترف وزير الكهرباء محمد شاكر في تصريح في 3 يونيو 2024 أن الأزمة "قد تستمر حتى صيف 2025 بسبب نقص إمدادات الغاز".
بينما غابت الأصوات الإعلامية نفسها التي كانت تصرخ أيام مرسي، أو اكتفت بالتبرير: "نحن في حالة حرب"، أو "العالم كله يعاني"، كما قالت الإعلامية دينا عبد الكريم في برنامجها على القناة الأولى في مايو الماضي.
الغلاء... من التضليل إلى التبرير
في عهد مرسي، وصل معدل التضخم السنوي إلى 9.5% عام 2013 بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وكان سعر الدولار مستقراً عند 6.9 جنيهات، ومع ذلك، كانت هذه الأرقام تُقدَّم على أنها كارثة كبرى.
كتب الصحفي عماد الدين حسين مقالاً في صحيفة الشروق في مايو 2013 يتساءل فيه: "كيف يحكم رئيس لا يستطيع السيطرة على الأسعار؟".
أما في عهد السيسي، فقد وصل التضخم السنوي إلى 36.8% في فبراير 2024 بحسب البنك المركزي، وسجل سعر الدولار أكثر من 52 جنيهاً في السوق السوداء، رغم إجراءات "تعويم الجنيه" المتكررة منذ 2016.
ومع ذلك، نادراً ما تسمع نبرة نقد حقيقي في الإعلام المصري، بل أصبحت الصحف الحكومية تروّج لمفاهيم مثل "التقشف الوطني" و"الصبر من أجل التنمية"، بينما تتحدث صحف مثل اليوم السابع عن "مؤامرات لتعطيل التنمية" و"حرب الشائعات".
الفشل الاقتصادي الممنهج
تقرير صادر عن معهد كارنيغي في مارس 2024 بعنوان "الاقتصاد المصري بين التوسعات العسكرية والانهيار الاجتماعي"، أشار إلى أن "النظام المصري الحالي ضاعف الدين العام الخارجي ثلاث مرات منذ 2014، بينما لم تتحسن مؤشرات التنمية البشرية الأساسية".
ووفقاً للبنك الدولي، فقد ارتفع عدد من هم تحت خط الفقر في مصر من 27% عام 2015 إلى أكثر من 32.5% في 2020، وسط تقديرات غير رسمية بأنه تجاوز 38% في 2023.
توظيف الملفات كذريعة للانقلاب
ملف الدولار والكهرباء والغلاء كان أداة رئيسية لحشد الجماهير ضد مرسي في 2013، لكن بعد 12 عاماً، لم تُحل هذه الأزمات بل تفاقمت، ومع ذلك، لم يظهر أي من "أساطين يونيو" ليعتذر عن تضليله للرأي العام، أو حتى ليعترف بأن ما بُني عليه الانقلاب كان واهياً، بل على العكس، كثير منهم باتوا يتصدرون مشاهد التبرير والدعاية لنظام السيسي.
ما بعد الصمت... التواطؤ؟
بعض المحللين يرون أن ما يحدث ليس مجرد صمت إعلامي بل تواطؤ سياسي، الباحث الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي كتب في مقاله بـ"المعهد المصري للدراسات" في أبريل 2024 أن "الإعلام المصري تحول من سلطة رقابية إلى أداة تضليل تخدم بقاء النظام، وتخدر الشارع بينما الاقتصاد ينهار"، ويضيف: "لو كانت أزمة الكهرباء اليوم في عهد مرسي، لتمت دعوة الناس للعصيان، أما اليوم فالمواطن يُطلب منه التحمل والصمت".
أين المحاسبة؟
رغم مرور أكثر من عقد على انقلاب السيسي، لا توجد مؤشرات حقيقية على محاسبة للفشل، لا البرلمان يناقش بجدية الكوارث الاقتصادية، ولا الإعلام يعرض بدائل أو يفتح المجال للنقد، حتى الانتخابات الرئاسية الأخيرة في ديسمبر 2023 كانت محسومة مسبقاً بنسبة مشاركة لم تتجاوز 29%، بحسب الهيئة الوطنية للانتخابات، وهو ما اعتبره مراقبون دوليون مؤشراً على انعدام الثقة الشعبية.
بعد 12 عاماً من الانقلاب الذي سوّقه إعلاميو يونيو كـ"ثورة لإنقاذ مصر"، تتكشّف الحقيقة: الأزمات باقية بل تتفاقم، والصمت الإعلامي بات عنواناً لمرحلة من التواطؤ مع الفشل، وإذا كان الرئيس مرسي قد أُسقط بتهمة "انقطاع الكهرباء"، فهل سيحاسَب السيسي بعد أن أسقط الاقتصاد والعدالة معاً؟ أم أن أساطين يونيو سيستمرون في تسويق الوهم؟