أصدر عبد الفتاح السيسي قراراً جمهورياً بتخصيص مساحة هائلة من أراضي الدولة المطلة على البحر الأحمر -تُقدر بـ174.4 كيلومتراً مربعاً (أكثر من 41 ألف فدان)- لصالح وزارة المالية، تمهيداً لبيعها بغرض خفض الدين العام وإصدار الصكوك السيادية، وسط استثناء ملحوظ لأراضي الجيش ذات “الأهمية الاستراتيجية”.
 

البيع باسم "خفض الديون"... والجيش يحتفظ بـ"الأهمية العسكرية"
   القرار، الصادر بتاريخ 4 يونيو الجاري، نصّ على نقل ملكية المساحة المذكورة إلى وزارة المالية لاستخدامها في تمويل أدوات الدين السيادي، في حين تم التأكيد على استمرار احتفاظ القوات المسلحة بملكية "الأراضي الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية" داخل النطاق ذاته.
وتم توجيه الجهات المعنية لإيداع القرار في الشهر العقاري "من دون رسوم"، وهو ما يمنحه قوة قانونية فورية.

الموقع المختار يمتد من رأس شقير إلى رأس جمسة على شاطئ البحر الأحمر جنوبي خليج السويس، وهي منطقة تتمتع بميزات بيئية وسياحية فائقة، وتعتبر من أغنى سواحل العالم بالشعاب المرجانية البكر.
 

خطة بيع على طريقة "رأس الحكمة"… الخليج في الواجهة مجدداً
   الخطوة تُعد تكراراً لسيناريو صفقة رأس الحكمة التي أبرمتها مصر مع الإمارات في مارس 2024 مقابل 35 مليار دولار.
ومع تأخر اتفاق مماثل مع السعودية بشأن منطقة "رأس جميلة" على البحر الأحمر، تتحرك الحكومة لطرح مزيد من الأراضي الساحلية "الاستثنائية" للبيع.

تؤكد مصادر مطلعة أن مفاوضات جرت بين مسؤولين مصريين وسعوديين على هامش منتدى "دافوس الصحراء" في الرياض العام الماضي، وشهدت اعتراضاً سعودياً على دفع قيمة الصفقة نقداً بالدولار، كما حدث مع رأس الحكمة.
السعودية عرضت -بحسب المصادر- مقايضة الصفقة بجزء من ودائعها في البنك المركزي المصري، البالغة 10.3 مليارات دولار.
 

السياحة مقابل الديون.. هل يُرهن ساحل مصر لصالح الخليج؟
   تمثل الصفقة المحتملة جزءاً من مسار أوسع ينتهجه النظام لتجنب الانهيار المالي عبر بيع أصول استراتيجية.
وتشير تسريبات إلى أن السعودية تسعى أيضاً للاستحواذ على شركات حكومية في قطاعات التعليم والصحة والطاقة، أبرزها شركة "سيرا"، ضمن صفقة رأس جميلة.
ويؤكد مطلعون أن التخفيض في حجم الديون سيكون ثمنًا لامتلاك جزء معتبر من أصول مصر الإنتاجية والخدمية.

في السياق ذاته، كانت الحكومة قد طرحت في أكتوبر الماضي أراضي شاطئية في منطقة رأس بناس للبيع لمستثمرين عرب وأجانب، في محاولة لإنقاذ الوضع المالي المتأزم.
 

فجوة تمويلية قياسية... والحكومة تطارد الدولار بأي ثمن
   تأتي هذه التطورات في وقت توقعت فيه الحكومة اتساع الفجوة التمويلية في مشروع موازنة 2025-2026 لتصل إلى 3.6 تريليونات جنيه (نحو 70 مليار دولار)، بزيادة تتجاوز 25% عن السنة المالية السابقة.
وتسعى وزارة المالية لسد العجز من خلال إصدار أدوات دين داخلية، منها أذون خزانة بقيمة 2.2 تريليون جنيه وسندات بـ928.9 مليار جنيه.

وفي ظل الارتفاع المستمر للدين الخارجي، الذي بلغ 155.2 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي الحالي، يبدو أن النظام لم يعد يرى خياراً سوى بيع الأصول مقابل العملة الصعبة، حتى وإن كانت هذه الأصول في مناطق ذات قيمة استراتيجية وسياحية عالية.
 

ديون تتضاعف... وأصول تتآكل
   بيانات البنك المركزي أظهرت أن الديون الخارجية تضاعفت أربع مرات خلال العقد الأخير، بفعل الاقتراض المكثف من المؤسسات المالية الدولية وأسواق السندات العالمية.
أكثر من ثلثي تلك الديون مقومة بالدولار، ما يضع ضغطاً هائلاً على احتياطات البلاد من العملة الأجنبية، خاصة مع ضعف الإيرادات السيادية مثل قناة السويس والسياحة والصادرات.

وفيما تنخفض قيمة الجنيه أمام الدولار (وصل إلى نحو 49.5 جنيهاً)، تزداد كلفة خدمة الدين الخارجي، ما يدفع الحكومة لبيع الأراضي والشركات العامة لتعويض الفارق.
 

بلد يُباع على أقساط
   
بيع الأراضي المطلة على البحرين المتوسط والأحمر ليس مجرد "إدارة أصول"، بل سياسة معلنة للتعامل مع أزمة مالية خانقة تسببت فيها سنوات من الاستدانة المفرطة، والإنفاق غير المنتج، والمشاريع العملاقة غير المدروسة.
وبينما يحتفظ الجيش بـ"أهمية المواقع الاستراتيجية"، تُعرض بقية البلاد للبيع... فهل أصبحت مصر فعلاً رهينة ديونها، ومستقبلها مرهون لمستثمري الخارج؟