في 11 مايو 2025، صدّق قائد الانقلاب العسكري المصري عبد الفتاح السيسي على قانون "تنظيم إصدار الفتوى الشرعية"، بعد موافقة مجلس النواب الذي شهد تصويتًا جماعيًا لصالحه، فالقانون يمنح مؤسسات محددة هيئة كبار العلماء بالأزهر، مجمع البحوث الإسلامية، دار الإفتاء المصرية واللجان التي تُنشأ بقرار من وزير الأوقاف، حق إصدار الفتوى الشرعية، ويُجّرّم الفتوى من غير هذه الجهات.

ينص القانون في مادته 3 و4 على تحديد جهات الإفتاء، وتنشئة لجان خاصة تُشرف عليها الأوقاف والأزهر، تُفرض عقوبات بالسجن حتى 6 أشهر أو غرامة تصل إلى 100 ألف جنيه (2000$)  لحملة الفتوى غير المرخصة، كما يُلزِم الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بنشر الفتاوى الصادرة فقط عن الجهات المرخصة، في خطوة يرى منتقدوها أنها تمس حرية التعبير وتوسع رقابة الدولة.

بهذا القرار، يواصل السيسي ترسيخ نموذج الدولة السلطوية التي تسيطر على كل مناحي الحياة، بما فيها الدين، وهو ما يثير تساؤلات حول مستقبل الحريات الدينية والفكرية في مصر، في ظل استمرار المعارضة رغم كل القيود والقمع.

 

دلالات أبعاد القرار السياسية

يعكس هذا القانون رغبة النظام في تكريس احتكار الدولة للنشاط الديني والفكري، وتقليص نفوذ مؤسسات المجتمع المدني المستقلة، ويُنظر إليه كـ"هجوم" على منصات الفضاء العام، وتجفيف لكل محاولات الخطاب الديني البديل، في إطار دستوري مختزل يعزز الانحياز للجهة الرسمية على حساب كل الأصوات الأخرى، ويُخشى من تحول الفتوى إلى آلية لتبرير القرارات السياسية وتبرئة السلطة من مسؤوليتها، خاصة في ظل تداول فتاوى سياسية لصالح أو ضد جهات متنازعة.

وعبّر عدد من المعارضين المصريين في الخارج عن قلقهم من تداعيات هذا القانون على الحريات العامة، وأكد رئيس منظمة عدالة وحقوق بدون حدود، فرانسوا دوروش، أن النظام المصري بقيادة السيسي يواصل سياسات تكميم الأفواه ليس فقط في المجال السياسي، بل أيضاً في المجال الديني، مشيراً إلى أن المؤسسة العسكرية المصرية باتت تسيطر على كل مفاصل الدولة، بما فيها الاقتصاد والدين، كما أشار محللون إلى أن هذه السياسات قد تؤدي إلى مزيد من الاحتقان المجتمعي، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة والتضخم منذ 2013.

 

البعد الديني وتأثير الأزهر ودار الإفتاء

في حين أشادت السلطة بأن المشروع يعزز وحدة الخطاب الديني ويحدّ من "الفتاوى الشاذة"، يرى معارضو الانقلاب أن الهدف الحقيقي هو تطويع الأزهر ودار الإفتاء لخدمة توجهات السلطة، وتحويلهما إلى "كرّاسات رسمية دينية" تتماشى مع السياسة الأمنية، واستُخدم السلاح الديني لحسم الجدل؛ فإذا تعارضت آراء فتاوى الجهات، يُرجّح رأي هيئة كبار العلماء، مما يشير إلى تحوّل نهايات الاجتهاد إلى منافذ سلطوية للهيمنة على الفضاء الفقهي.

 

ردود الفعل وتداعيات دستورية

رافضو القانون يرون أنه يخالف المادة 71 من الدستور المصري، التي تحجب الحبس في قضايا النشر دون مسوغات تحريض على العنف أو التمييز.

كذلك، يُساءل القانون مباشرة عن مدى توافقه مع حريات التعبير والإعلام، إذ يفرّغ الإعلام من أي صلاحية بشأن تناول أو استضافة مشايخ مستقلين، وتمثل ذلك استمرارًا لمسار تشريعات سابقة مثل قانون احتجاجات 2013، جاء في سياقه لتقييد الحريات السياسية والدينية بغطاء قانوني.

وأشار مراقبون إلى أن هذه السياسات قد تعمق الصدام بين النظام وشرائح واسعة من المجتمع، بما في ذلك المؤسسة الدينية التقليدية نفسها، التي قد ترى في هذا القانون تهديداً لاستقلالها ودورها التاريخي.

 

مآلات مستقبلية

يُشكّل القانون جزءًا من "بنية القمع المعنوي" الراهنة، وتطوّع الدين كغطاء لسياسات أمنية شاملة، يُتخوّل أن يؤدي إلى تجفيف مصدر أي خطاب فكري مستقل، واستغلال الفتاوى كوسيلة لـ"تثبيت القطيع" الداعم للسلطة، وقد تُستخدم آليات الترخيص والعقاب لاحقًا سلاحًا ضد علماء مستقلين أو ناشطين دينيين يخالفون التوجه الرسمي، وإدراجه ضمن أجندة إعادة "هيكلة الخطاب الديني" والخضوع الكامل للقانون العسكري والسياسي، يعزز مخاوف المعارضة من انزلاق ديني يواكب انحرافات سياسية.

قانون تنظيم الفتوى الشرعية الذي أقرّه السيسي في 11 مايو 2025، بتأييد من البرلمان والأجهزة الدينية الرسمية، يُعدّ خطوة جوهرية نحو احتكار الدولة للخطاب الديني، وفرض سيطرتها على "الفتوى الشرعية" ووسائل التعبير المرتبطة بها، يثير القلق حيال حرية الفكر والدين والدور المستقبلي للأزهر ودار الإفتاء، إضافة إلى الانعكاسات الدستورية والسياسية الراهنة، كما يرسم القانون ملامح "دولة دينية أمنية أمنية" تسلطية، تقوّض أي إمكانية لمجتمع مدني ديمقراطي قائم على التعددية والحرية.