مع شروق شمس عيد الأضحى، تكتظ ذاكرة آلاف الفلسطينيين النازحين في مصر بالحنين والألم، وتتبدد طقوس الفرح أمام واقع الغربة القاسي، حيث تحوّل العيد من مناسبة للاحتفال إلى مناسبة للفقد والتذكّر والقلق.
في شقة صغيرة قرب محطة مترو العباسية، تعيش ثلاث عائلات فلسطينية نزحت من قطاع غزة بعد اندلاع العدوان الإسرائيلي.
تستيقظ أم يوسف صباح العيد على سؤال صغيرها: "ماما، هل سنزور جدتي اليوم؟". تصمت، تحتضنه، وتغالب دموعها، فالجدة، مثل كثيرين من أفراد العائلة، لا تزال في غزة تحت القصف، بلا كهرباء، بلا دواء، وبلا أمان.
تقول أم يوسف وقد بدت ملامحها مرهقة من حمل الغربة والقلق: "نحن أحياء بالجسد، لكن قلوبنا هناك. العيد في غزة كان ضيقاً بحصارها، لكنه دافئ بالعائلة. أما هنا، فكل شيء بارد، حتى العيد".
مشاعر متداخلة.. نجونا من القصف ولم ننجُ من الحزن
تتراوح أوضاع آلاف الفلسطينيين النازحين في مصر بين الإقامة غير المستقرة، وانعدام مصادر الدخل، والقلق المتواصل على من بقي في غزة.
يقول خالد (27 عامًا)، النازح من خانيونس في نوفمبر الماضي: "نجونا من الموت، لكن لم ننجُ من الترقب. نتابع من استشهد ومن فُقد ومن لا يزال تحت الأنقاض. يخجل اللسان أن يقول: كل عام وأنتم بخير، ونحن نعيش على أنقاض الذاكرة".
يعيش خالد مع شقيقه في شقة متواضعة بمنطقة الحرفيين ويعمل ليلاً في مطبعة مقابل أجر بالكاد يغطي الإيجار والطعام.
"لا نملك إقامة قانونية، لا نستطيع تسجيل أولادنا في المدارس، نعيش على الهامش ونكتم الحزن حتى لا نتكسر أكثر"، يضيف.
عيد بدون بهجة: لا أضاحي ولا زيارات ولا كعك
تقول هالة، أرملة نازحة من دير البلح: "كنا نأمل أن تمد لنا بعض الجمعيات يد العون، لكن المساعدات متقطعة. مر العيد دون أن نملك ثمن أضحية أو حتى ملابس جديدة للأطفال".
تعيش هالة مع أطفالها الثلاثة في حي شعبي بالقاهرة. وتضيف:"المدخرات التي جلبناها من غزة نفدت سريعًا. الإيجارات مرتفعة، والأسعار ترتفع أكثر كل يوم. لم نعد نطلب سوى الأمان والقدرة على الاستمرار".
أما إيمان، الشابة العشرينية التي خرجت وحدها من القطاع وتركَت والدتها وجدتها المريضة هناك، فتقول بصوت منكسر: "في كل قصف، أعيش رعب الفقد من جديد. العيد كان عند أمي. كانت تجهز الكعك وتنتظرني. اليوم، أنا من أنتظر صوتها، وأحيانًا لا يأتيني".
جراح لم تندمل.. العيد في المستشفيات
في مستشفى بالقاهرة، يرقد الجريح يسري أحمد، وقد نُقل من غزة بعد إصابته بشظايا في البطن والساقين. يقول: "أجريت عدة عمليات، حالتي لا تزال حرجة، لكني أتمسك بالحياة. العيد هنا غريب، نحاول خلق أجواء بسيطة مع الجرحى، لكن أرواحنا هناك".
ويضيف جريح آخر نقل من منطقة المواصي: "أصبحنا عاجزين عن دفع الإيجار أو تأمين الطعام، ونخشى أن يطول النزوح إلى أجل غير معلوم".
دعم محدود وأمل مستمر
تقدّم بعض الجمعيات الأهلية المصرية وفصائل فلسطينية مستقلة مساعدات غذائية ومادية، لكن الحاجة أكبر بكثير من الإمكانات.
مع استمرار إغلاق معبر رفح، وغياب أفق سياسي للحل، بات كثير من النازحين يشعرون بأنهم في مهب الانتظار القاسي.
وفي ظل هذا الواقع، يحاول الفلسطينيون التكيّف مع الغربة، وبعضهم وجد دفئًا في تضامن الجيران المصريين.
تقول أم يوسف: "نُعلّم أولادنا أن العودة قادمة، وأن العيد الحقيقي سيكون حين نعود إلى غزة، إلى بيوتنا، إلى السماء التي لا تمطر نارًا".
بين الأمل والحنين.. العيد مؤجَّل
رغم الألم، لا يزال كثير من النازحين يتمسكون بالأمل.
يقول محمد نون، نازح في القاهرة: "العيد في غزة كان مليئًا بالعادات والدفء رغم الحصار. هنا نعيش بأمان نسبي، لكننا نحمل عبء الذنب، لأن أهلنا هناك لا يجدون حتى قوت يومهم".
ومع كل مكالمة فيديو صباح العيد، تتساقط دموع خلف الشاشات. فهناك، في غزة، تستمر الحرب، والموت، والفقد. وهنا، في مصر، تتجمد طقوس العيد على أعتاب الغربة.
ويختتم محمد كلامه قائلاً: "العيد لن يكون إلا حين نعود... إلى حيث بدأ الحنين، وحيث توقف الزمن".