بقلم: أحمد عمر

أدواء النفس تصيب الدول كما البشر، وفي ملّتي واعتقادي أنَّ إيران دولة معقّدة نفسياً، فقد ورثت مُلك فارس العظيم، وما تبنّيها للعقيدة الشيعية في عصر البويهيين إلا جمعٌ لمُلكَين زائلَين على وسادة واحدة؛ مُلك كسرى ومُلك الحسين، وكان الحسين تزوّج بشاه زينان ابنة يزدجرد الثالث المسبيّة، فصار "زيتهم في دقيقهم".

وكان صدّام حسين يسخر من كِبر الفرس؛ ملكهم هو "شاهنشهاه"، وإمامهم هو "آية الله"، و"روح الله العظمى"، وأستغفر الله لي ولكم ولصدّام حسين.

وكانت اليابان دولة مستعليةً، فكسرها الأميركيون وأذلّوها، فثابت إلى تطوير اقتصادها، وقبلت بإمبراطورها، ابن الشمس ملكاً منقوض الألوهية، مكسور الوجدان، يلبس "الطرحة" الفرنجية.

أفضى إلينا عضو القيادة العراقية لحزب البعث، صلاح عمر العلي، في شهادته على العصر أنَّ القيادات العراقية أسرفت في الفخر بالآباء والتاريخ العراقي، وتمجيد بابل ونبوخذ نصر، الأمر الذي أطال الحرب العراقية الإيرانية.

وإنَّ افتخار المصريين بالفراعنة فيه شكّ، وهو لا يعدو طرفةً، فالشعب المصري من ألين الشعوب عريكةً، ويبلغ المرح والظرف مداه وأوجَه في تفاخر الإعلام المصري بخوفو وخفرع وزاهي حواس، في الحين الذي نرى رئيسه في لقائه زملاءَه الملوك العرب أو الغربيين، مثل عصفور بلّله العسل الأسود، أو مثل العروس الخجول، وقد جاءها الراغب.

كاد محمد علي أن يهزم السلطنة العثمانية، وهو ألباني الأصل، وتاجر تبغ، فقد كانت مصر تقبل الغرباء وتمصّرهم، حتى قيل إنه لم يحكم مصر قطّ زعيم مصري إلا جمال عبد الناصر، فعقدتها النفسية (إن كانت لها عقدة) هي الرغيف، فهو جائع منذ سِني يوسف والشدّة المستنصرية حتى الشدّة "البلحيّة".

لم تنطلِ "أغنية أنا سوري وآه يا نيالي" على الشعب السوري، فهو من الشعوب الهيّنة الليّنة، وما علو نبرة التغنّي المستجد ببني أميّة، الذين بنوا حضارتَين عظيمتَين؛ واحدة في الشام، والثانية في الأندلس، إلا اعتصامٌ بالتاريخ، وردٌّ على الحقبة الأسدية المقنّعة بالطائفة في سورية.

 

تبالغ النخبة اللبنانية ("الفينيقية") في إعلاء شأن اللبنانيين، وهم طوائف وأعراق شتى، ويتجلّى تفاخرهم في لغتهم الفينيقية؛ كلمة لبنانية، وكلمة خواجاتية، والعقدة أنكى وأشدُّ مع دولة الإمارات العربية الناشئة، التي ابتدعت وزارات مثل وزارة السعادة، ووزارة المستحيل (مقتبسة من وزارات جورج أورويل).

المواقع العربية في الإمارات محجوبة (وزارة الحجب)، والآثار مصرية (وزارة النهب)، والنخبة "ذهبية الإقامة" سعياً منها إلى تاريخ تليد، إنها دولة معقّدة نفسياً، سبب عقدتها الثروة الطارئة.

 

عقدة أميركا أنها دولة بلا تاريخ، تعوّضها بمدِّ الجغرافيا، وللباحث المصري عبد الوهاب المسيري تحليل لقصيدة الأميركي والت وايتمان "أغنية نفسي"، يعكس رؤيةً حضاريةً منكرةً للتاريخ والروحانية، وتعويضه بالتقدّم المادي والتقني سعياً إلى حلم "الفردوس الأرضي"، حتى إنه وصف وجدانها بـ"الوجدان المعادي للتاريخ"، وهو الوجدان نفسه لدولة الأسد، بل إنَّ الرئيس الأميركي ترامب في زياراته السعودية وقطر والإمارات أظهر حسداً من رخاء هذه الدول؛ سعة الدور، وكرم الضيافة، وكشف طموحاً أميركياً لمثل هذا الخفض في العيش، وما حرب روسيا على أوكرانيا إلا سعي من بوتين لاستعادة مجد بطرس الأكبر التليد.

 

قابل كاتب السطور إندونيسيّين وهنوداً وباكستانيين مسلمين، فلم يرَ منهم ما رأى من النخبة السورية الكردية، التي تجتهد في تنسيب الأنبياء إلى عرق الكرد، فالإندونيسيون والباكستانيون والإيغور يتباهون بعربية الإسلام، مثلهم مثل الأرمن والروس والإنكليز واللاتين في اتّباع المسيح العربي، في حين تتمجّد النُّخبة المذكورة "بالنبي" زاردشت المكتوم القيد، الذي يحتاج إلى شاهدَين عدلَين و"معجزةٍ" من مختار الحارة لإثبات "بنوّته".

 

أمّا ألمانيا، فعقدتها عقود، جلّاها الكاتب دارا عبد الله في مقال في "العربي الجديد" عنوانه "تاريخ عماء ألماني" (23/5/2021): ألمانيا كلّها حائط مبكى، يبكي أبناؤها، جيلاً بعد جيل عقدة الهولوكوست التي لم يقترفوها.

 

سعى ذباب إلكتروني في إنكار أصل الفلسطينيين العربي، ونسبهم إلى جزيرة كريت، وقد اتُّهموا ببيع ديارهم، وهم يجِدّون في الحرية والعتق من الاحتلال، "لا يضرُّهم من خذلهم أو خالفهم"، أمّا عدوهم؛ فـ"شعب الله المختار"، أكثر الملل استعلاءً في الأرض، وعقدته من عقدة النازية؛ الحافر على الحافر.