عاد الجدل مجددًا إلى الواجهة حول قرارات العفو الرئاسي والتي تصدر تقليديًا في المناسبات الدينية والوطنية، لتشمل الآلاف من السجناء.

لكن هذا العام، كما في الأعوام السابقة، انصب الجدل على التمييز الصارخ بين السجناء الجنائيين من جهة، وسجناء الرأي والسياسة من جهة أخرى، رغم أن النصوص القانونية والدستورية لا تفرق بين الفئتين في ظاهرها.

 

تمييز واضح رغم النصوص الدستورية
ينص الدستور في مادته الـ155 على أحقية رئيس الجمهورية في العفو عن العقوبة أو تخفيفها، دون تحديد طبيعة الجريمة أو خلفية السجين.

كما تنص المادة 52 من قانون العقوبات على ضرورة حسن السير والسلوك كشرط أساسي للاستفادة من العفو. 

إلا أن ما يحدث عمليًا، بحسب مراقبين، هو تغليب المعايير السياسية والأمنية على تلك القانونية، حيث تُمنح الغالبية الساحقة من قرارات العفو لسجناء جنائيين، في حين لا يشمل العفو إلا عددًا محدودًا من السجناء السياسيين.

الخبير الدستوري عصام الإسلامبولي يرى أن هذا التمييز "مخالف لروح القانون"، ويذكّر بدعوى قضائية قدمها عام 2006 مع المحامي عاطف البنا أمام مجلس الدولة، أسفرت عن حكم تاريخي أتاح للمحبوسين السياسيين حق العفو بعد قضاء نصف المدة.

رغم ذلك، يؤكد الإسلامبولي أن "السلطة التنفيذية تحتفظ بسلطة تقديرية واسعة تتيح لها استخدام العفو كأداة سياسية".

 

سجناء رأي خلف القضبان.. ونخنوخ حر
تُعدّ المفارقة الأكبر في ملف العفو الرئاسي هي شمول شخصيات جنائية معروفة، مثل صبري نخنوخ، بقرارات العفو، في مقابل الإبقاء على عشرات من سجناء الرأي خلف القضبان، بل وعودة بعضهم إلى السجن بعد الإفراج، كما حدث مع شريف الروبي.

ويؤكد الحقوقي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أن "قرارات العفو تُستخدم كأداة انتقائية لخدمة أجندة السلطة، لا كوسيلة لتحقيق العدالة".

ويضيف: "السلطة تكره ثورة يناير، ولذلك تستثني معظم رموزها ومؤيديها من قرارات العفو، رغم أنهم لا يشكلون أي تهديد للمجتمع".

 

مناسبة دينية.. واستبعاد سياسي
قبيل العيد الحالي، أعلنت نيابة أمن الدولة العليا عن إخلاء سبيل نحو 50 محتجزًا في قضايا سياسية، من بينهم صحافيون وناشطون، لكن منظمات حقوقية اعتبرت هذا الرقم "ضئيلاً" مقارنة بآلاف الجنائيين المشمولين بالعفو في نفس المناسبة.

ويؤكد المحلل السياسي عمار علي حسن أن العفو عن السياسيين ما زال يخضع لتصنيفات أمنية غير قانونية، كـ"الانتماء إلى الإخوان"، أو "الاشتراكية الثورية"، أو "السلفية الجهادية"، وحتى "حركة 6 إبريل".

ويوضح أن "السجين السياسي يُعامل كخطر أمني، بينما يُنظر للجنائي كمجرم فردي لا يهدد بنية النظام".

 

زيارات ممنوعة وحبس انفرادي
التمييز لا يتوقف عند قرارات العفو فقط، بل يمتد إلى ظروف الاحتجاز والمعاملة داخل السجون، كما يشير الحقوقي هيثم أبو خليل، الذي يقول إن "الجنائي يحظى بزيارات منتظمة، بينما يُعزل السجين السياسي لفترات طويلة في الحبس الانفرادي، ويُحرم من التريّض أو حتى الاتصال بأسرته".

ويصف ذلك بأنه "اعتداء صارخ على الدستور"، مضيفًا أن "التمييز المستمر في العفو يعكس رغبة السلطة في ترسيخ فئة من البلطجية يمكن استخدامها لاحقًا ضد أي حراك سياسي".