ظهرت في مصر مؤخرا عدة أزمات ومواقف كاشفة عن تردي الأوضاع، وانتشار البلطجة، نقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، وأحدث بعضها ضجة كبيرة.

وتداول نشطاء، مقطع فيديو من منطقة "شبرا الخيمة" الشعبية ، يظهر فيه 5 ملثمين مسلحين يحملون أنواعا مختلفة من الأسلحة النارية، ويطلقون النيران على مسكن من عدة طوابق وبشكل عشوائي بحارة ضيقة مع غياب تام لقوات الأمن، بمشهد أثار المخاوف من افتقاد الأمن وتسلط البلطجية.
https://www.tiktok.com/@alarabiya_egy/video/7478770632575044872

في الوقت الراهن، أصبح من الصعب بمكان الوقوف على إحصائيات وبيانات دقيقة ومُحدَّثة عن أعداد المجرمين والمُسجَّلين خطرا، خاصة في ظل تعذُّر الاطلاع على تقرير الأمن العام، الذي لم يعُد يصدر عن وزارة الداخلية، ناهيك بالتضارب في الأرقام حول أعداد المُسجَّلين خطرا التي تصدر عن مسؤولي وزارة الداخلية وتنشرها الصحف المصرية. 

ينما تزايد الطلب على البلطجية، باتت "البلطجة" مهنة ذات طريق مرسوم وآلية صعود اجتماعي خاصة بها، انتقل عبرها "الشقي أو المُسجَّل خطرا" من فرد يشترك في بعض الأعمال الإجرامية مقابل أموال قليلة أو يوزِّع بعض المخدِّرات، ويشترك بالطبع في العنف الجسدي مع أقرانه لبناء سمعته بالمنطقة، إلى "مَعلِّم" يُشغِّل عددا من الأفراد مع توجيه أمواله إلى استثمار أوسع قد يقتصر على مقهى أو يتوسَّع إلى شركة تُقدِّم خدماتها لصالح النخبة المرتبطة بالسياسة، أمثال نخنوخ ودولار.

بُنيت الدراسة على الإحصائيات التي صدرت من مصلحة الأمن العام بوزارة الداخلية بشأن الأنشطة الإجرامية بجميع مديريات أمن الجمهورية (وعددها 30 مديرية) منذ عام 1980 وحتى آخر عام 2005، التي جاء فيها أن إجمالي عدد المُسجَّلين خطرا بلغ 146040 شخصا، منهم 92680 كانوا يزاولون النشاط الإجرامي في هذا التاريخ، وذلك بعد استبعاد الذين توقَّف نشاطهم أو رُفعت أسماؤهم من كشوف الخطرين بسبب الوفاة.

ومن آن إلى آخر، يظهر شباب في الشارع بحالة هستيرية تحت تأثير المواد المخدرة المنتشرة بين فئات شعبية، فيما التقطت كاميرات المارة، شابة مصرية بإحدى الشوارع فاقدة الوعي ويصدر منها حركات غير طبيعية لوقوعها تحت تأثير المخدرات.

وفي المقابل، جرى القبض في 21 أبريل الجاري، على الإعلامية سارة خليفة، بتهم تزعم تشكيل عصابي من 10 أفراد إلى جانب شركاء أجانب يُزودونها بالمواد الخام من الخارج، لعدة سنوات، وإدارة عملية تصنيع وتوزيع مخدر "الحشيش الاصطناعي".

وعثر بحوزتها على 200 كيلوغرام منه ومن مخدر "الشابو"، ومادة تشتبه بأنها "هيروين"، ومواد عشبية يُعتقد أنها "استروكس"؛ لكن قرار النيابة العامة بمنع النشر في القضية، أثار غضب وشكوك مصريين.

وتنتشر مصانع "بير السلم" بالمناطق الشعبية والنائية لتصنيع مخدر "الشابو" و"الاستروكس"، مع استمرار ظاهرة "دواليب المخدرات" تحت الطريق الدائري المار بالقاهرة الكبرى حيث يتجمع الموزعون من الشباب الصغير نهارا للحصول على حصتهم بتوزيع المخدرات يوميا، وفق ما رصدته "عربي21".

وفي سياق، انتشار الجريمة تتواصل جرائم خطف الأطفال الصغار بغرض التسول، أو لأغراض أخرى، فيما تتراوح أعداد المتسولين بين 45 و50 ألف متسول، بينهم نحو 15 ألفا بالعاصمة وحدها، وفق موقع "أخبار اليوم" الحكومي.

لماذا تسربت أخلاق الرعاع إلى المصريين؟

تلك الأوضاع دفعت المفكر المصري الدكتور خالد فهمي، للتساؤل عبر صفحته بـ"فيسبوك": "متى تسربت أخلاق الرعاع إلى المصريين؟"، مؤكدا أن "الخسارة رهيبة، وأن الوقت اللازم لمحو آثار هذا التردي الأخلاقي سيكون طويلا والكلفة عسيرة".

https://www.facebook.com/khald.fhmy.992347/posts/10235890424178468?ref=embed_post

النظام الراعي الرسمي للبلطجة

 قال الكاتب والباحث المصري عزت النمر إن "ما يعيشه المصريون من أزمات يشي بأنها كانت تصف الواقع الاقتصادي بلا تجمل، وحياة المصريين بصورة واقعية"، لافتا إلى أن " انحدار أحوال المصريين".

وأعرب عن أسفه من أن "الواقع المصري يمر بمرحلة خطيرة من الفقر واليأس والجوع وغياب الانتماء وفقد الأمل، ما دفع قطعانا للمخدرات يأسا وهروبا أو اتجارا وتكسبا، وقطعان أخرى امتهنت البلطجة لنفس الأسباب".

ويرى أن "نظام السيسي فشل بإدارة الدولة، ويرى أنه بهذه الانحرافات ومعها الفساد إشغال للشعب وإبعاد له عن التفكير والإرادة، لذلك أعتقد أن ما وصل إليه الحال الاجتماعي ناتج عن إرادة وقرار النظام كصورة إلهاء بعد الفشل الذي وصل إليه".

ويعتقد الباحث المصري أن "المخدرات والبلطجة والإدمان وغيرها من أمراض الواقع المصري أصبحت أوراق النظام لتسيير وقهر شعب من المغيبين والمكسورين".

عن أجهزة الأمن، أكد أنها "تستخدم هؤلاء للسيطرة على الشارع، وكم شاهدنا قوات الأمن تحتمي بالبلطجية، ومعروف من قبل ثورة يناير 2011، أن هناك 500 ألف بلطجي تستخدمهم الشرطة، ومعرف بمصر وفي طبيعة حكم العسكر أن الأمن السياسي

المستهدف، أما الأمن الجنائي فليس أولوية، وربما يكون وسيلة إدارة للجماهير وتخويفها، فضلا عن فساد الداخلية كمنظومة وكأفراد".

وحول غياب المجتمع المدني، قال: "حينما وصلت مصر لدولة فاشلة أو شبه دولة على يد السيسي، وغاب المجتمع المدني لأن العسكر لا يستبقون أدوارا لأحد، والمجتمع المدني الحالي جزء من سبوبة النظام وجزء من فساده".

وأضاف: "غياب جماعة الإخوان المسلمين بمؤسساتهم وجمعياتهم ومساجدهم ورم[وزهم سبب انهيارا وخللا بالواقع الاجتماعي والاقتصادي؛ حيث كانوا رافعة للأخلاق والقيم وحافظة لقيم المجتمع، ومؤسساتهم الاجتماعية كانت منقذة للمجتمع بكل طبقاته من الانهيار والتفكك، فلما غاب دورهم الاجتماعي والديني وصل المجتمع إلى ما يعانيه الآن".

استمرت الدولة في الانسحاب من المجتمع عقب الانقلاب العسكري على الرئيس الشهيد ، الدكتور محمد مرسي وحاولت في الوقت نفسه هندسة المجتمع من الخارج دون أن توفر الحد الأدنى من التعليم والصحة والوظائف والسكن، مع حرصها على تضخيم الدور الأمني وشبكة المخبرين والمرشدين، ومحاصرة معارضي النظام، مع التركيز على هزيمة الإسلاميين وإضعاف نفوذهم بالمناطق الشعبية، عبر التشويه تارة، والملاحقة تارة.