استقبل عمال شركة سيراميكا إينوفا (المعروفة سابقًا بـ"الفراعنة") عيد الأضحى هذا العام بدون رواتب، بعد تأخر صرف أجورهم عن شهر أبريل، سواء من جهة الشركة أو من صندوق إعانات الطوارئ التابع لوزارة العمل، ما فاقم من معاناتهم المعيشية في واحدة من أكثر الفترات حساسية اجتماعيًا واقتصاديًا، وسط أجواء من الإحباط والغضب.

يقع المصنع بمنطقة كوم أوشيم الصناعية في محافظة الفيوم، ويعمل به آلاف العمال، يعتمدون بشكل أساسي على دخولهم الشهرية التي صارت متأخرة، مجتزأة، أو مهددة بالانقطاع في ظل ما تصفه الإدارة بـ"أزمة سيولة حادة".

تأخر غير مسبوق في مساهمة "الطوارئ"
في سابقة من نوعها، تأخرت مساهمة صندوق إعانات الطوارئ للشهر الماضي، وهي التي تُحوَّل عادة عبر البريد بحد أقصى نهاية كل شهر، بقيمة تتراوح من 1500 إلى 2000 جنيه لكل عامل، وتُشكّل قرابة ثلث الراتب الكامل.

يقول أحد العمال، طالبًا عدم نشر اسمه: "من وقت ما بدأ الصندوق يصرف لنا، مفيش مرة اتأخر كده. كل شهر كنا بنقبض مع آخره.. لكن المرة دي، لا صندوق صرف، ولا الشركة دفعت باقي الراتب للناس اللي مرتباتهم فوق 5300 جنيه. ده العيد دخل وإحنا مش عارفين نشتري كيلو لحمة لولادنا."

سياسة تقسيط الرواتب: إذلال ممنهج
ويؤكد العمال أن إدارة الشركة اعتادت منذ شهور تقسيم الرواتب إلى شرائح تُصرف على دفعات متباعدة تمتد أحيانًا حتى منتصف الشهر التالي، ما يجعل كثيرًا منهم يبدأ شهرًا جديدًا دون الحصول على مستحقات الشهر السابق.

"كل 3 أيام نصرف دفعة حسب الشريحة، كأننا بناخد صدقة مش راتب. اللي بيقبض 3500 يصرف الأول، وبعد كده اللي تحت 4 آلاف، وهكذا. واللي رواتبهم عالية شوية بيتأخروا للآخر أو ما يقبضوش خالص"، يقول عامل آخر، مشيرًا إلى ما وصفه بـ"تعمد الإدارة إذلال العمال".

التهديد بالفصل.. وسيف الإجازات الجبرية
الغضب الحالي ليس وليد اللحظة، بل امتداد لشهور طويلة من الإجراءات التعسفية التي اتخذتها إدارة الشركة بحق مئات من عمالها. ففي مايو الماضي، أرسلت الإدارة إنذارات بالفصل إلى 45 عاملاً، كانوا قد أُجبروا سابقًا على إجازات بدون إرادتهم، رغم عدم تلقيهم استدعاءات رسمية للعودة إلى العمل.

وسبق ذلك في مارس إبلاغ 350 عاملًا، بينهم 130 من ذوي الإعاقة، بقرار إجازة إجبارية لستة أشهر مقابل الراتب الأساسي فقط. كما تم تسريح من رفض القرار. وفي يناير، أُجبرت 57 عاملة – وهن كل النساء بالشركة – على إجازة مماثلة، ما دفع الكثيرات منهن إلى تقديم شكاوى للجهات المختصة دون استجابة تُذكر.

إضراب سابق وتراجع مؤقت للإدارة
في يناير الماضي، دخل العمال في إضراب عن العمل استمر أسبوعًا كاملًا، احتجاجًا على تأخر راتب ديسمبر وعدم تطبيق الحد الأدنى للأجور البالغ 6 آلاف جنيه. ورفع العمال مطالب تشمل عودة أوتوبيسات نقل العمال التي أوقفتها الإدارة، ما ألزمهم بتكبد تكاليف انتقال من جيوبهم، دون بدل.

ورغم استجابة الإدارة مؤقتًا ببدء صرف نسبة من الرواتب، أنهى العمال الإضراب في 29 يناير. إلا أن اليوم التالي شهد توجيه إدارة الشركة إجازات إجبارية لعشرات العاملات، ما اعتُبر ردًا عقابيًا على تحركهم الجماعي.

العمال بين سندان الغلاء ومطرقة التسريح
مع اقتراب العيد، يقول أحد العمال إن فكرة الاعتصام عادت للطرح، لكن العامل الزمني حال دون تنفيذها: "كنا هنعتصم، بس قولنا نعدي العيد، ما ينفعش نسيب ولادنا من غير فرحة ولو بسيطة.. بس والله ما في لحمة ولا عيدية."

ويضيف بأسى أن أحد زملائه بكى أمام المدير بسبب عدم صرف الـ1500 جنيه المقررة من صندوق الطوارئ، قائلًا: "قال له: هقول لولادي إيه؟ كل فرحة العيد راحت، ومفيش حتى رغيف حلو ناكله مع العيلة."

سلسلة طويلة من الانتهاكات العمالية
منذ تأسيسها في أواخر الثمانينات، وشركة سيراميكا الفراعنة – قبل تغيير اسمها إلى إينوفا – لها تاريخ طويل مع الاحتجاجات العمالية. وتفاقمت حدة الإضرابات بعد ثورة 25 يناير، مع تصاعد شكاوى العمال من سوء أوضاعهم المعيشية، والتعامل الأمني أحيانًا مع احتجاجاتهم.

وبينما يشير بيان سابق للشركة إلى أن الأزمات سببها تراكم الديون لدى المرافق، يشكك العمال في ذلك، معتبرين أن سوء الإدارة وانعدام الشفافية هما السبب الحقيقي، فضلًا عن تحميلهم وحدهم كلفة الانهيار المالي.