نشر موقع ميدل إيست آي تقريراً للكاتب تقدم الخطيب، كشف فيه أن السعودية تضغط لتأسيس قاعدة عسكرية أمريكية في جزيرتي تيران وصنافير، مما يعيد فتح ملفّ اعتُبر الأخطر في تاريخ التنازل المصري عن السيادة.
لم تُصدر الحكومة المصرية رداً رسمياً، بينما اكتفى إعلام النظام بإنكار غير مباشر. يعود الجدل إلى عام 2017 حين أعلن رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي أن الجزيرتين سعوديتان، متجاهلاً وقائع تاريخية وجغرافية وقانونية، ومتناسياً أنهما وردتا في اتفاقيات كامب ديفيد. فلو كانتا سعوديتين فعلاً، لماذا لم تُشارك الرياض في تلك الاتفاقيات؟
لكن البُعد القانوني ليس لبّ المسألة، فالموقع الاستراتيجي للجزيرتين يحكم مضيق تيران، الممر البحري الوحيد إلى خليج العقبة، والذي يربط موانئ جنوب سيناء في مصر بمدينة إيلات الإسرائيلية والعقبة الأردنية. من يسيطر عليهما يتحكم عملياً في شريان سيناء البحري.
تسليم الجزيرتين جرى في سياق إعادة ترتيب إقليمي أوسع، يهدف لضمان هيمنة إسرائيل على البر والبحر، على حساب مصر التي خسرت دورها المركزي لصالح الخليج ضمن تحالف أمني إسرائيلي أمريكي خليجي.
منذ توقيع اتفاقيات أبراهام، دخلت إسرائيل مرحلة جديدة من النفوذ الجيوسياسي. وفي عام 2022 وافقت على منح السيادة للرياض على الجزيرتين، مما أدى لتحول مركز الثقل الإقليمي من القاهرة إلى الخليج، وأعطى تل أبيب اليد العليا على ممر بحري استراتيجي ضمن ترتيبات تطبيع ضمنية أو صريحة.
هذا التطور قيد الدور المصري في الملف الفلسطيني، وخاصة خلال حرب غزة الجارية. إسرائيل، مدعومة أمريكياً وخليجياً، تُمسك الآن بمفاتيح الممرات البحرية، ما يجعل أي دعم مصري لغزة مشروطاً ومحدوداً.
الجزيرتان لم تعودا مجرد أراضٍ مهملة؛ بل صارتا بوابة إلى أمن سيناء ومفتاحاً لسيطرة إسرائيل على البحر الأحمر. فقدت مصر الخط الأول للدفاع عن جنوب سيناء، وتعرضت لعزلة استراتيجية تُضعف قدرتها على التحرك في أي مواجهة.
إسرائيل تعمل على بناء عمق استراتيجي عبر ممر يربط إيلات بالمتوسط، ينافس قناة السويس مباشرة. من باب المندب إلى تيران وصنافير، يتحول البحر الأحمر إلى نطاق نفوذ إسرائيلي، يستخدم لخنق غزة، والضغط على مصر، وربط الخليج بأمن إسرائيل في علاقة لا تنفصم.
وفي هذا المشهد، لا يغيب دور إيران وتركيا. تدعم طهران الحوثيين في اليمن، ما يجعل البحر الأحمر ساحة مواجهة غير مباشرة مع الغرب وإسرائيل. مضيق باب المندب بات أداة بيد الحوثيين لاستهداف الملاحة الإسرائيلية والغربية. تركيا، من جانبها، توسع حضورها العسكري والاقتصادي في البحر الأحمر وشرق أفريقيا، خاصة السودان، وتبني تحالفات ناعمة في القرن الأفريقي، ضمن مشروع يستعيد النفوذ العثماني، ويتحدى التحالف الإسرائيلي الخليجي والإيراني في آن.
لذلك لا يمكن النظر إلى تيران وصنافير كقضية ثنائية مصرية سعودية، بل كنقطة محورية في شبكة أمنية واقتصادية معقدة تديرها إسرائيل، بينما تسعى تركيا وإيران لموازنتها. السيطرة على المضيق تتيح لتل أبيب منفذاً بحرياً دائماً إلى المحيط الهندي، وتعزز مشروعها للهيمنة الإقليمية عبر خنق الاقتصاد المصري، وشلّ حركته العسكرية في سيناء، وإبعاده عن ملف فلسطين.
حتى داخلياً، فإن آثار هذه الصفقة كارثية. المضيق شريان حياة للسياحة والتجارة بجنوب سيناء. أي تهديد له يضرب ميناء نويبع، ويؤثر في الاستثمارات السياحية، ويُقوّض التجارة البحرية، مما يعمق الأزمة الاقتصادية في مصر.
الجزيرتان صارتا مفصلاً أساسياً في معادلة البحر الأحمر، والمشهد يتعقد أكثر مع احتدام التنافس الإيراني التركي، في ظل مراقبة أمريكية وإسرائيلية، وموافقة خليجية محسوبة.
في ختام مقاله، يتذكر الكاتب يوم زيارته لمكتبة في برلين للبحث في خرائط الجزيرة، حين أخبره مدير قسم الخرائط هناك: "من لا يفهم جغرافيا تيران وصنافير، لا يفهم كيف يُدار هذا الإقليم".
واليوم، تبدو تلك المقولة أوضح من أي وقت مضى. الجغرافيا تتقاطع مع الجغرافيا السياسية، وهيمنة إسرائيل البرية والبحرية تتكامل، بينما تتقلص أدوار مصر والسودان واليمن في ظل صراع إقليمي متصاعد.
https://www.middleeasteye.net/opinion/how-tiran-and-sanafir-chokehold-red-sea-sinai-egypt