على مدى نصف قرن، مثّلت سوريا جرحًا مفتوحًا في قلب الشرق الأوسط، أثار عدم الاستقرار وأشعل النزاعات وقمع شعبه بقسوة. طوال 14 عامًا من الأزمة، امتدت آثارها إلى دول الجوار والعالم، ما جعل العبارة الشائعة "ما يحدث في سوريا لا يبقى في سوريا" تعكس واقعًا معقدًا وظاهريًا لا حل له.

لكن هذا المشهد تبدل فجأة في 8 ديسمبر 2024، عندما غادر بشار الأسد قصره في دمشق طالبًا اللجوء في روسيا بعد هجوم مفاجئ وسريع شنته تحالفات من فصائل المعارضة المسلحة، أطاح بنظامه خلال عشرة أيام فقط. وبهذا وجد المجتمع الدولي نفسه أمام فرصة استراتيجية نادرة لإعادة تشكيل قلب المنطقة نحو مزيد من الاستقرار والتكامل.

رغم هشاشة المرحلة الانتقالية في سوريا، فإنها تفتح أمام المجتمع الدولي بابًا معقدًا: هل يجب الانخراط مع السلطات الانتقالية التي تقودها هيئة تحرير الشام، ذات الجذور الجهادية، أم مقاطعتها؟ هذه الجماعة التي كانت سابقًا فرعًا لتنظيم القاعدة، شهدت تحولات كبرى منذ 2013، خاضت حربًا ضد "داعش"، قطعت علاقتها مع القاعدة، تعاونت مع تركيا، وأقامت إدارة مدنية قدمت خدمات تفوقت على سائر مناطق سوريا.

الهيئة غيرت خطابها، تخلت عن الجهاد العالمي، ورفعت راية الثورة السورية، ما دفع بعض الدول الغربية، مثل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وسويسرا، إلى تخفيف عقوبات اقتصادية عن سوريا بهدف إنعاشها. الإدارة الأمريكية بدورها منحت إعفاءً عاماً لمدة ستة أشهر في يناير 2025، لكنه لم يشمل التعاملات مع مؤسسات الحكم السورية.

سوريا تواجه اليوم أزمة إنسانية خانقة: 90٪ من السكان تحت خط الفقر، 70٪ يعتمدون على المساعدات، 99٪ من قيمة العملة فقدت، نصف البنية التحتية مدمرة، والوقود شبه منعدم. أي جهد انتقالي بحاجة ماسة لتخفيف العقوبات لإنجاحه. دول إقليمية كالسعودية وقطر وتركيا مستعدة لضخ استثمارات ضخمة، لكنها تنتظر رفع العقوبات الأمريكية.

في غضون ثلاثة أشهر من سقوط الأسد، عقدت الحكومة الانتقالية مؤتمراً وطنياً وأعلنت تشكيل حكومة موسعة ضمت أربع شخصيات فقط من هيئة تحرير الشام بين 23 وزيرًا، أكثر من نصفهم تلقى تعليمًا وعمل في الغرب، ما عكس تحوّلًا فعليًا نحو إدارة تكنوقراطية.

ورغم اندلاع موجة عنف محدودة في 7 و8 مارس، بقيت الحكومة قائمة، وشكلت لجنة تحقيق رسمية لتحديد المسؤوليات. ما زالت تحديات كبيرة كإعادة دمج المقاتلين، والمسلحين الأجانب، وخلايا داعش، والمقاومة العلوية قائمة، لكن التقدّم النسبي يبرر الرهان على هذا المسار الانتقالي.

الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو أمام خيارين: دعم مشروط للعملية الانتقالية الحالية، أو الانسحاب منها. الانخراط يحمل مخاطر، لكن العزلة قد تعيد البلاد إلى الفوضى. إعلان الرئيس ترامب في الرياض في مايو 2025 نيته رفع كل العقوبات عن سوريا، وتصريحات وزير الخارجية ماركو روبيو لاحقًا في الكونجرس، تشير إلى تحوّل في الحسابات الأمريكية نحو دعم الاستقرار بدلاً من العقاب.

رفع العقوبات الأوروبية الكامل في 20 مايو دعم هذا التوجه. في حال عودة الدبلوماسيين الأمريكيين إلى دمشق، قد تسلك سوريا طريق التعافي الحقيقي.

من جهة أخرى، يواصل "القيادة المركزية الأمريكية" (CENTCOM) لعب دور تفاوضي رئيسي بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة الانتقالية، حيث نسّقت جهودًا أمنية واستخباراتية مشتركة أفضت إلى إحباط ثمانية مخططات لداعش منذ يناير. في فبراير، شنت الطائرات الأمريكية ضربات دقيقة ضد قيادات القاعدة في شمال غرب سوريا، بالتنسيق مع السلطات الجديدة.

مع تراجع الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط وانشغال الناتو بأوروبا، تمثل هذه المرحلة فرصة نادرة لإنهاء واحدة من أعقد أزمات العالم. رغم التحديات، فإن بناء دولة سورية مستقرة ومتكاملة مع جيرانها يمثل الخيار الوحيد القابل للاستمرار. أوروبا والمنطقة سبقت أمريكا في اتخاذ هذا القرار، والالتحاق بهذا المسار يعزز فرص نجاحه.
 

https://www.atlanticcouncil.org/content-series/ac-turkey-defense-journal/in-syrias-fragile-transition-theres-a-glimmer-of-a-more-stable-middle-east/