في مؤشر جديد على تصاعد التوتر بين مصر والسعودية، كشف خبراء وإعلاميين عن قلق بالغ انتاب السيسي بعد تهميشه دولياوتقزم دور مصر في الشرق الأوسط، على خلفية الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني إلى القاهرة، ولقائه بقائد الانقلاب.
وجرت الزيارة على هامش المفاوضات النووية الإيرانية، ونقلت عن مصدر إيراني توقعات برفض طهران للاقتراح الأمريكي الأحادي الجانب، مع الإشارة إلى استمرار سياسة “الضغط الأقصى” الأمريكية.
وكان عبدالفتاح السيسي قد أكد على رفض مصر لأي تصعيد إقليمي، مشددا على ضرورة التهدئة ومنع حرب شاملة تهدد أمن المنطقة، كما نادى بوقف إطلاق النار في غزة ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، في صورة جديدة يريد بها تلميع نفسه في المنطقة.
ونكاية في السعودية، أشاد وزير الخارجية الإيراني بالدور المصري في استقرار المنطقة، مؤكدًا التزام بلاده بتعزيز الحوار مع القاهرة.
وجاء اللقاء في وقت أعلنت فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن زيادة إيران إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60%.
السيسي يلمع نفسه بعد التهميش
وعلق الصحفي والإعلامي هشام صبري "واضح من التشنجات عند اللجان إن في تعليمات واضحة بخصوص زيارة وزير الخارجية الإيراني، وده معناه إن الموضوع مهم لجهة ما داخل النظام.
وتابع في تغريدة له أما الأهم، فهو أن موقف السيسي من فلسطين مرجّح أن يتغير بعد شعوره بالتهميش، وحاجته لإثبات أن دوره الإقليمي لا يزال قائما.
واختتم واحدة من أكبر المشاكل اللي عند السيسي ومستشاريه إنهم متأخرين على الأقل 15 سنة في كل حاجة.. "يعني مثلا، فكرة إن كل ما يحصل خلاف مع السعودية يجروا فورا على إيران، دي سياسة منتهية الصلاحية من زمان".
https://x.com/heshamsabry01/status/1929919593708937381
وعن جديد الزيارة يرى د. محمد السعيد إدريس مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن من الواضح أن زيارة ترامب للدول الخليجية الثلاث كانت بها شبه تجاهل للدور المصري وشبه تهميش.
ويؤكد د. إدريس أن مصر بحاجة إلى مراجعة لسياسة التمنع تجاه إيران، مشيرا إلى أن التهميش الذي تعرضت له مصر ليس من أمريكا فقط، بل من الدول الشقيقة ، فضلا عن الضغوط التي تتعرض لها من كل الاتجاهات، تفرض عليها التفكير بجدية في علاقاتها مع إيران.
الصحفي والحقوقي جمال سلطان "وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان صلى في المسجد الأموي بدمشق، بعد يومين رد عليه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بالصلاة في مسجد الحسين بالقاهرة، رسائل بعلم الوصول، ومحاور جديدة تتشكل، ولعب بالنار، وأثمان فادحة سيتم دفعها".
https://x.com/GamalSultan1/status/1929807332684206535
رسائل السيسي
وجاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى القاهرة، في توقيت وصفته مصادر دبلوماسية مصرية بـ"الحسّاس"، مشيرة إلى أن الاستقبال المصري للوزير الإيراني يحمل رسائل سياسية متعددة الاتجاهات، لا سيما نحو دول الخليج والولايات المتحدة.
وقال مصدر دبلوماسي مصري إن عراقجي تقدّم قبل فترة بطلب لزيارة القاهرة، غير أن السلطات المصرية امتنعت عن الرد إلى أن أخطرت طهران رسميًا بتحديد الموعد.
وأوضح المصدر أن "قبول مصر الزيارة في حد ذاته في هذا التوقيت رسالة في أكثر من اتجاه، أهمها الاتجاه الأميركي، ويليها الاتجاه الخليجي، في ظل توتر مكتوم في العلاقات لأسباب عدّة".
وأشار المصدر إلى أن الفترة الأخيرة شهدت امتناعًا خليجيًا عن الاستجابة للمطالب الاقتصادية المصرية، على ضوء التزامات ديون مستحقة في النصف الأول من العام، فيما كانت هناك مفاوضات بين القاهرة والرياض بشأن صفقات استحواذ اقتصادية، قبل أن يجمّد السعوديون تلك المحادثات "من دون تقديم توضيحات"، ما دفع مصر إلى "البحث عن مسارات بديلة".
وبحسب المصدر، فإن هناك "تباينات متعددة في وجهات النظر" بين القاهرة والرياض بشأن ملفات إقليمية، وهو ما أدى إلى تغييب السيسي عن زيارة الرئيس الأميركي للرياض مؤخرًا. كما تشمل الرسائل الموجّهة من القاهرة "الشريك الإماراتي"، في ظل "خلافات واضحة" بشأن قضايا مثل سد النهضة، إذ كشف المصدر أن القاهرة اطّلعت مؤخرًا على "اتفاق إثيوبي – إماراتي لتمويل بناء سدّين جديدين على النيل، قد يُلحِقان ضررًا بالأمن المائي المصري".
وأفاد المصدر بأن الخلافات بين القاهرة وأبو ظبي تمتد إلى الملف السوداني، إذ جرى مؤخرًا مناقشات مباشرة بين الطرفين، أعرب خلاله الجانب الإماراتي عن تمسكه "بدعم قوات الدعم السريع"، وقال مسؤولون إماراتيون لنظرائهم المصريين إن "الحل هو التوصل لصيغة تحقق مصالح الطرفَين في السودان، حتى لا يضطر الجميع للخسارة".
وأضاف المصدر أن "جولة الرئيس الأميركي الأخيرة في المنطقة كانت نقطة تحوّل" في علاقات القاهرة مع الرياض وأبو ظبي، إذ علّقت مصر آمالًا على دعوة من أي من العاصمتين للقاء ترامب، في ظل "رفض مصري لزيارة البيت الأبيض"، خاصة بعد رفض القاهرة طلبات أميركية تضمنت "القبول بخطة التهجير".
أما في الملف الليبي، فذكر المصدر أن هناك "خلافات واسعة" بين مصر والإمارات، في ظل "تصعيد التوترات وتحرّكات إماراتية معاكسة" في الساحة الليبية، بحسب وصفها. وفيما يخص الرسائل إلى واشنطن، ذكر دبلوماسي مصري آخر مطّلع على ملف العلاقات المصرية – الأميركية، أن زيارة عراقجي في هذا التوقيت "تحمل دلالة واضحة تجاه الإدارة الأميركية"، وسط شعور متزايد في القاهرة بأن واشنطن تسعى إلى "تهميش دور مصر في الملفات الإقليمية، وأبرزها الوضع في قطاع غزة". واعتبر الدبلوماسي أن هذه الرسالة تكتسب أهمية مضاعفة مع "زيارة مرتقبة للرئيس الصيني شي جين بينغ إلى القاهرة منتصف الشهر الجاري"، في ظل "استياء مصري بالغ من التهميش".
وأضاف أن هناك توجهًا مصريًا إلى "اتخاذ خطوة جديدة في ترفيع العلاقات مع طهران"، مشددًا على أن الخطوة "لن تصل إلى مستوى تطبيع العلاقات، لكنها بمثابة رسالة عبر إجراءات دبلوماسية تهدف إلى تعزيز الشراكات الاقتصادية والتعاون التجاري".
وختم المصدر بالإشارة إلى أن مصر تلقّت مؤخرًا "تطمينات إيرانية بشأن الوضع الأمني في الإقليم"، تضمنت "وعدًا بالتدخل لدى الحوثيين لتخفيف حدة التوتر في البحر الأحمر"، في حين جدّدت القاهرة رفضها الكامل "لأي حلول عسكرية للتعامل مع الملف النووي الإيراني".
جدر الإشارة ابتداء إلى أن الجانب المصري هو من وجه الدعوة لوزير الخارجية الإيراني لزيارة البلاد، وربما تكون المرة الأولى التي توجه فيها القاهرة دعوة مباشرة لمسؤول إيراني للزيارة بشكل فردي بعيدًا عن السياقات الإقليمية والمشاركة في المؤتمرات والمحافل التي تحتضنها الأراضي المصرية، الأمر الذي يعكس الرغبة المصرية الواضحة في تعزيز خطوات التقارب مع طهران.
وتتزامن تلك الدعوة مع تراجع الثقل الإقليمي المصري بشكل لافت، وفقدانها لدورها المؤثر في العديد من الملفات، السودان وليبيا واليمن ولبنان وسوريا، حتى الملف الفلسطيني الذي كان تتمتع فيه القاهرة بميزة جغرافية تؤهلها للعب دور مؤثر ورئيسي، تهمش كثيرًا بعد فتح الإدارة الأمريكية قنوات اتصال مباشرة مع حركة حماس.
هذا التقزيم ربما يكون سببًا أو نتيجة لتوتير العلاقات مع الولايات المتحدة والكيان المحتل بسبب الموقف المصري المعلن إزاء مخطط التهجير ورفض إملاءات الرئيس الأمريكي، الذي يبدو أنه يبحث عن طريقة يعاقب بها حليفه الإقليمي بتهميش دوره وتقزيم حضوره وإبعاده عن المشهد بصورة تٌخرجه بعيدًا عن الملعب الذي كان أبرز لاعبيه خلال السنوات الماضية، ولعل عدم دعوة السيسي -أسوة بالمرة السابقة- لحضور القمة الخليجية الإسلامية في الرياض في أعقاب زيارة ترامب أبرز تلك المؤشرات.