تشهد العلاقات المصرية الأمريكية فتورًا وتوترًا، على خلفية تباين المواقف بشأن حرب غزة، وخطة واشنطن لنقل سكان القطاع إلى مصر والأردن، والأوضاع في البحر الأحمر وقناة السويس، إلى جانب قضايا إقليمية أخرى. بحسب "ميدل إيست مونيتور"، شعر رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي بأنه محاصر سياسيًا بعدما راهن على عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض حتى يناير 2029، إلا أن الأمور لم تسر وفقًا لتوقعاته، ما قد يدفعه لتقديم تنازلات حساسة أو تنفيذ مناورات تكتيكية وإعادة تموضع جيوسياسي لتخفيف حدة التوتر مع واشنطن.
 

عزلة سياسية

أحست القاهرة بأنها محاصرة سياسيًا، وظهر ذلك خلال جولة ترامب الإقليمية الشهر الماضي، والتي خلت من زيارة لمصر أو دعوة السيسي إلى القمة الأمريكية الخليجية في الرياض. في 21 مايو 2017، وقف السيسي إلى جانب ترامب والملك سلمان في افتتاح مركز مكافحة الفكر المتطرف بالرياض، مشهد لم يتكرر منذ ثماني سنوات تقريبًا. هذا التهميش – المدعوم من بعض عواصم الخليج – نتج عن تراجع النفوذ الإقليمي والدولي لمصر، وتدهور الوضع الاقتصادي، وتآكل شعبية السيسي في ولايته الثالثة الممتدة حتى 2030.

تسريبات دبلوماسية، نقلها موقع "العربي الجديد"، كشفت فشل محاولة ترتيب لقاء بين ترامب والسيسي في الدوحة تحت غطاء الوساطة لوقف إطلاق النار في غزة. رغم أن ترامب وصف السيسي سابقًا بـ"ديكتاتوري المفضل"، لم يعد يبدو كذلك حاليًا.

اتسع الإحساس بالتهميش مع انخفاض مستوى التواصل بين القاهرة وواشنطن. آخر مؤشر كان إرسال مستشار ترامب للشؤون العربية والأفريقية مسعد بولص إلى القاهرة، ما زاد إحباط المسؤولين المصريين.

 

ضغوط أمريكية

واصلت واشنطن الضغط على القاهرة لقبول خطة نقل سكان غزة، والسماح بحرية عبور السفن الأمريكية لقناة السويس (بين 1000 و2000 سفينة سنويًا)، والمشاركة في الحرب ضد الحوثيين، وهي مطالب رفضتها مصر، ما زاد التوتر. تقارير أشارت إلى عرض سعودي بمنح قاعدة عسكرية أمريكية في جزيرتي تيران وصنافير لتأمين الملاحة بالبحر الأحمر وقناة السويس. لا توجد قاعدة أمريكية في مصر، رغم وجود 600 جندي أمريكي بسيناء ضمن قوة المراقبة متعددة الجنسيات منذ 1981.

الضغط الأمريكي أخذ أشكالًا أخرى. في مايو، وضعت الخارجية الأمريكية مصر ضمن قائمة "إعادة النظر في السفر"، ما يضر بقطاع السياحة. وفي مارس، أعلنت لجنة الملاحة البحرية الأمريكية تحقيقًا بشأن الممرات البحرية العالمية، منها قناة السويس، لتحديد مدى عرقلة أي دولة أو جهة للمصالح التجارية الأمريكية.

وفقًا للمحلل السياسي عمرو شهاب، تتوافق حدة الضغوط مع الأهداف الأمريكية والنقاشات الجارية مع حلفاء إقليميين لزيادة التواجد العسكري في البحر الأحمر لحماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية والحد من استقلال القرار المصري. وتلاحظ أوساط المراقبة أن التنسيق بين واشنطن والرياض وأبو ظبي يتجاوز القاهرة في ملفات غزة وسوريا والسودان وليبيا. وبحسب "الإيكونوميست"، يُنظر إلى السيسي حاليًا كعبء على العواصم الإقليمية، وأُدرج ضمن "الخاسرين في الشرق الأوسط الجديد".

 

حملة علاقات عامة مصرية

ردًا على العزلة، يسعى السيسي لاسترضاء ترامب مجددًا، حيث وصفه الأخير بـ"الصديق العظيم" عام 2017. دعا السيسي إلى إقامة منطقة صناعية أمريكية في محور قناة السويس خلال منتدى اقتصادي أمريكي مصري بالقاهرة، ووافق على إعفاء مؤقت للحوم الألبان الأمريكية من شرط الشهادات الحلال حتى نهاية 2025، مع تعهد بتسهيل استثمارات أمريكية جديدة.

شخصية معارضة مصرية أفادت أن الحسابات الاستراتيجية الأمريكية لم تعد ترى في مصر ثقلًا مؤثرًا، ما قد يدفع القاهرة لتقديم تنازلات إضافية. وأضاف أن موقف مصر الرافض رسميًا لنقل سكان غزة قد لا يصمد طويلًا أمام أزمات النظام المتفاقمة.

في أبريل، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يوأف جالانت بأن مصر طرحت شرطًا جديدًا لوقف شامل لإطلاق النار: نزع سلاح حماس وتحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح. القيادي في الإخوان المسلمين قطب العربي وصف النظام المصري بأنه "الرجل المريض" في الإقليم، معتبرًا أن القوى الكبرى تفضل إبقاءه ضعيفًا ومستعدًا للخضوع للابتزاز وتقديم التنازلات.

 

مناورة جديدة

بجانب محاولات التقارب مع واشنطن، تسعى القاهرة لتغيير قواعد اللعبة عبر مناورات سياسية وعسكرية. بدأت تدريبات جوية مشتركة مع الصين باسم "نسور الحضارة 2025"، وتسعى لشراء مقاتلات J-35 الصينية المنافسة لنظيرتها الأمريكية F-35. كما فتحت مصر قناة تواصل مع طهران، حيث زار نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي القاهرة مؤخرًا لبحث التعاون الثنائي والملاحة في البحر الأحمر وتطورات الإقليم.

نائب وزير الخارجية المصري الأسبق فوزي عشماوي أشار إلى احتمال مناورة قانونية، تتمثل في الطعن على اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية الموقعة عام 2016، ما قد يفتح خلافًا سياسيًا جديدًا أو يُستخدم كورقة مساومة اقتصادية، خاصة مع التقارير حول القاعدة العسكرية الأمريكية في إحدى الجزيرتين.

خيارات المناورة لا تزال مفتوحة، وقد يستخدم السيسي ورقة الإسلام السياسي، ملمحًا لمصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين كأداة ضغط على الحلفاء الخليجيين إذا شعر بتخليهم عنه.

https://www.middleeastmonitor.com/20250603-sisi-woos-trump-and-manoeuvres-around-the-gulf/