منذ استيلاء عبد الفتاح السيسي على الحكم في 2013 عقب انقلاب عسكري على أول رئيس منتخب ديمقراطيًا، دخلت مصر في نفق طويل من الإهمال التنموي ودهور البنية التحتية، خاصة في مجالات حساسة مثل مقاومة الكوارث الطبيعية، ويعيد تزايد النشاط الزلزالي في المنطقة العربية الحديث عن استعداد مصر لمواجهة الكوارث، وهو سؤال يثير قلق المواطنين في ظل غياب خطط الطوارئ والاستعداد المدني الحقيقي.

 

الزلازل الأخيرة.. إنذار لم يُستجب له

شهدت مصر في فبراير 2023 هزة أرضية شعر بها سكان القاهرة وعدة محافظات، نتيجة لزلزال قوي مركزه جنوب تركيا بلغت شدته 7.8 درجات على مقياس ريختر. ورغم بعد مركز الزلزال، إلا أن ارتداداته كانت محسوسة بشكل واضح، ما يسلّط الضوء على هشاشة المباني وغياب معايير السلامة في الإنشاءات.

وفي أكتوبر 2022، سجّلت هيئة البحوث الجيولوجية المصرية زلزالًا بقوة 5.1 درجات في منطقة البحر الأحمر، شعر به سكان الغردقة وعدد من مناطق الصعيد.

ومع تكرار هذه الزلازل، يتصاعد القلق الشعبي حول ما إذا كانت البنية التحتية المصرية قادرة على الصمود أمام زلزال قوي مثل الذي ضرب القاهرة عام 1992، والذي خلّف أكثر من 500 قتيل و6500 مصاب، بالإضافة إلى انهيار آلاف المباني.

 

بنية تحتية متهالكة

رغم مرور أكثر من عقد على كارثة زلزال 1992، لم تشهد مصر طفرة حقيقية في تقوية البنية التحتية لمواجهة الزلازل، ففي تقرير صدر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2021، تبين أن أكثر من 40% من العقارات في المناطق العشوائية غير مرخصة وتفتقر لأبسط معايير الأمان الهندسي.

ويضاف إلى ذلك تصريحات المهندس حاتم حسن، نقيب المهندسين السابق، التي أكد فيها أن “90% من المباني لا تتبع كود الزلازل المصري”، ما يجعلها عرضة للانهيار حتى في حالات الهزات المتوسطة.

 

أسباب الزلازل في مصر: طبيعية أم إهمال بشري؟

تتكرر الزلازل في مصر بسبب موقعها الجغرافي على حدود الصفيحة الإفريقية، مع وجود صدوع نشطة في مناطق مثل خليج السويس والبحر الأحمر، وهو ما يجعلها منطقة نشطة زلزالياً بشكل معتدل.

شهدت مصر في عام 2024 أكثر من 500 هزة أرضية، معظمها في مناطق بعيدة عن التجمعات السكانية، لكن بعضها كان محسوساً في المدن الكبرى مثل الإسكندرية.

في يونيو 2025، تعرضت مصر لعدة زلازل متقاربة أثارت حالة من القلق بين السكان، خصوصاً في الإسكندرية التي تعاني من مشاكل بيئية وبنية تحتية متدهورة.

هذه الزلازل كانت على أعماق كبيرة، مما حد من أضرارها المباشرة، لكنها كشفت هشاشة البنية التحتية وعدم جاهزيتها لمواجهة كوارث أكبر.

وفقاً لتصريحات خبراء، فإن البنية التحتية في مصر، وخاصة في المدن الساحلية مثل الإسكندرية، تعاني من تدهور خطير بسبب عوامل متعددة منها ارتفاع درجات الحرارة، تسرب المياه الجوفية، وتآكل التربة.

الدكتور عصام حجي، عالم مصري في وكالة ناسا، حذر من أن هذه العوامل قد تؤدي إلى انهيار آلاف المباني، مطالباً بإنفاق يتراوح بين 2 إلى 7 مليار دولار لتقوية المدينة وحمايتها من الكوارث المستقبلية، هذا الواقع يعكس فشل النظام في التخطيط العمراني وإدارة المخاطر، مما يعرض حياة الملايين للخطر.

 

مشروعات عملاقة على حساب البنية الأساسية

في الوقت الذي يُهدر فيه النظام مليارات الجنيهات على مشروعات لا تمس حياة المواطن اليومية مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي تجاوزت كلفتها 60 مليار دولار بحسب تصريحات رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي عام 2023 يتم تجاهل إصلاح البنية التحتية القائمة.

ويأتي ذلك رغم تحذيرات متعددة من علماء الجيولوجيا بأن مصر تقع ضمن "الحزام الزلزالي المتوسط"، وأن القاهرة الكبرى باتت مهددة بكارثة إن لم يتم تدارك الوضع.

المهندس ممدوح حمزة، المعارض البارز، وصف هذه السياسات بأنها "مشروعات لتلميع صورة النظام، لا لخدمة الشعب"، مؤكدًا أن أولويات الدولة ينبغي أن تكون إعادة تأهيل الأحياء القديمة والبنية التحتية لمواجهة أي كوارث طبيعية.

 

غياب الشفافية والتعتيم على المخاطر

تُتهم الحكومة المصرية بتعتيم إعلامي منهجي على المخاطر الجيولوجية، حيث لا تُتاح معلومات دقيقة للرأي العام حول خرائط الخطر الزلزالي أو عدد المباني غير المؤمنة.

وقد صرّح الدكتور أحمد بدوي، الرئيس السابق للشبكة القومية للزلازل، في لقاء تلفزيوني عام 2021، بأن “معظم الأجهزة المختصة لا تملك قاعدة بيانات محدثة عن المباني المعرضة للخطر، وأن خطط الإخلاء في حالات الكوارث غير مفعلة في أغلب المحافظات.”

وفي دولة يتسم حكمها بالطابع الأمني، يصعب على الجهات الأكاديمية أو المستقلة نشر أبحاث أو توصيات دون رقابة أمنية، ما يضعف فرص تطوير استجابة علمية حقيقية للكوارث.

في ظل تزايد التهديدات الزلزالية، تقف مصر على مفترق طرق: إما الانخراط في إصلاح شامل للبنية التحتية والتحرك بخطط علمية حقيقية لمواجهة الكوارث، أو الاستمرار في سياسة الإنكار والتجميل التي يتبعها النظام العسكري.