منذ اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، برزت أنظمة الحكم العسكري في المنطقة كمحرك خفي وراء استمرار النزاع الدموي.

أكثر هذه الأنظمة وضوحًا في دعمها للمسار العسكري هو نظام الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي في مصر، الذي بدا منذ اليوم الأول متماهيا مع مقاربة البرهان الأمنية، في تكرار لنموذج الحكم الذي فرضه السيسي بعد انقلابه العسكري في 3 يوليو 2013.

لقد حاول نظام السيسي تقديم الصراع في السودان كحرب ضد "ميليشيا متمردة"، داعمًا رواية الجيش السوداني بالكامل. وفي هذا السياق، جاء تصريح البرهان الأخير في مايو 2025 بأن "القوات المسلحة ماضية في تحقيق أهدافها لدحر ميليشيا الدعم السريع"، ليجد صداه في الإعلام المصري الرسمي الذي بات يروّج لمعادلة "الجيش = الدولة"، في تناغم واضح مع الخطاب الذي فرضه السيسي منذ أكثر من عقد.

 

السيسي والبرهان: حلف استراتيجي تقوده البندقية

لم تكن العلاقة بين السيسي والبرهان مجرد تقارب في الخطاب، بل هي تحالف عسكري أمني مدعوم بمصالح إقليمية.

منذ الانقلاب العسكري في السودان عام 2019 الذي أطاح بالبشير، دعمت القاهرة سياسيًا وأمنيًا صعود البرهان، ورفضت بقوة أي مساعٍ لنقل السلطة إلى المدنيين.

وقد كشفت تقارير دولية أن مصر أرسلت معدات عسكرية إلى الجيش السوداني، من بينها طائرات تدريب من طراز "كا-8"، استخدم بعضها في معسكر مروي شمال السودان، وهو ما أدى إلى توتر دبلوماسي في الأيام الأولى للحرب.

صحيفة "وول ستريت جورنال" (يونيو 2023) أكدت أن مصر تخشى من صعود الدعم السريع لقربه من دولة الإمارات، ما قد يهدد نفوذها التقليدي في الخرطوم.

وفي مارس 2024، استقبل السيسي البرهان في القاهرة، وأكد على "دعم مصر لوحدة واستقرار السودان"، لكنه لم يوجه أي دعوة واضحة للوقف الفوري لإطلاق النار أو العودة إلى المسار الديمقراطي، ما اعتبره مراقبون غطاءً دبلوماسيًا لاستمرار العنف.

 

التاريخ يعيد نفسه: من رابعة إلى دارفور

وجه الشبه بين ممارسات الجيش المصري في مصر، وما يفعله الجيش السوداني بقيادة البرهان، لا يخفى على أحد. ففي حين ارتكب الجيش المصري مجزرة رابعة في أغسطس 2013، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 800 متظاهر، اتهمت منظمات حقوقية، بينها "هيومن رايتس ووتش"، الجيش السوداني بارتكاب فظائع في مناطق النزاع، خاصة في أم درمان وجنوب الخرطوم وولاية الجزيرة، حيث استُخدمت الطائرات الحربية ضد المدنيين.

وتفيد تقارير من الأمم المتحدة أن أكثر من 14,000 مدني قُتلوا منذ اندلاع الحرب، فيما نزح أكثر من 9 ملايين داخل وخارج السودان، في واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في إفريقيا منذ عقود. إلا أن هذا لم يدفع نظام السيسي إلى مراجعة موقفه، بل استمر في الدفاع عن ما يسميه "حق الجيش في حماية الدولة".

 

إفشال الانتقال الديمقراطي: نهج واحد في بلدين

بينما كان السودانيون يعلقون آمالهم على انتقال ديمقراطي بعد سقوط البشير، كما علّق المصريون آمالًا مماثلة بعد ثورة 25 يناير، جاء الانقلاب العسكري في السودان بقيادة البرهان ليعيد السيناريو المصري: عسكرة الحكم، قمع الأصوات المدنية، وتمكين النخب العسكرية من مفاصل الاقتصاد والدولة.

وقد علّق وزير الخارجية السوداني السابق، عمر قمر الدين، على هذا التشابه بالقول: "ما يحدث في السودان نسخة مكررة من الانقلاب في مصر... هناك تحالف إقليمي يدعم عسكرة الدولة"، في إشارة ضمنية إلى المحور الذي يضم مصر والسعودية والإمارات.

 

الإعلام المصري كأداة بروباغندا

لعب الإعلام المصري دورًا محوريًا في تبرير جرائم الجيش السوداني، تمامًا كما فعل في تبرير قمع المعارضة المصرية منذ 2013. القنوات المقربة من الأجهزة الأمنية مثل "صدى البلد" و"القاهرة الإخبارية" وصفت قوات الدعم السريع بـ"المليشيا الإرهابية"، وتجاهلت تمامًا القصف العشوائي الذي يمارسه الجيش السوداني على مناطق سكنية.

أما التصريحات الرسمية المصرية فبدت متناقضة: فهي من جهة تدعو لـ"الحوار الشامل"، ومن جهة أخرى لا توجه أي نقد للانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها القوات المسلحة السودانية، بل تستمر في دعم البرهان سياسيًا ولوجستيًا.

 

ختامًا: معركة مصير أم تصفية حسابات؟

في ظل هذا المشهد، يبدو أن البرهان لا يقاتل فقط "تمردًا مسلحًا" كما يدعي، بل يحاول ترسيخ حكم عسكري مطلق، كما فعل السيسي في مصر. الدعم المصري لهذا النهج يعكس رغبة النظام في القاهرة في منع أي تجربة ديمقراطية قد تنجح في محيطه الإقليمي، خشية أن تنتقل العدوى إلى الداخل المصري.

إن استمرار الحرب في السودان هو انعكاس لفشل النظم العسكرية في تقديم أي حلول سياسية، ونتيجة مباشرة لتحالفات إقليمية ترى في الديمقراطية تهديدًا وجوديًا. وبينما تدفع الشعوب الثمن، يستمر العسكر في تكرار نفس السيناريو: السلطة أولًا، ولو على أنقاض الوطن.