شنّت آلاف الحسابات السعودية على منصات التواصل الاجتماعي "الذباب الإلكتروني" هجومًا شرسًا ومنسقًا ضد المفكر والأكاديمي القطري الدكتور نايف بن نهار، في ما وصفه مراقبون بأنه "غزوة رقمية" لا تستهدف شخصه بقدر ما تستهدف رمزية مشروعه الفكري المستقل، وقدرته على مخاطبة عقول الشباب الخليجي خارج عباءة السلطة.

ورغم أن الهجمات لم ترتكز إلى أي تصريح جديد مثير للجدل، فإنها جاءت نتيجة لتراكمات فكرية وسياسية جعلت من بن نهار هدفًا مزعجًا لجهاز الدعاية السعودي، الذي يضيق ذرعًا بكل ما هو حر ومستقل، خصوصًا حين يمسّ قواعد مشروع محمد بن سلمان القائم على إخضاع كل ما هو ديني وثقافي إلى رؤية "2030" ومسار "التطبيع الثقافي".

نايف بن نهار: فكر بديل يملأ فراغ السلطة
خلال سنوات قليلة، نجح نايف بن نهار في أن يتحوّل من أستاذ جامعي إلى واحد من أبرز الأصوات الفكرية الصاعدة في الخليج العربي، من خلال حضور قوي على المنصات الرقمية، وطرحٍ يتجاوز التكرار التقليدي للسرديات الدينية والسياسية الرسمية.

تناولت لقاءاته قضايا عميقة كـ"تفكيك السردية الصهيونية" و"مقاصد الشريعة في الواقع المعاصر"، وجذبت ملايين المشاهدات، خاصة من داخل السعودية، حيث يشعر قطاع واسع من الشباب بفراغ فكري وروحي لا تملؤه الدعاية الرسمية ولا الخطاب الديني المفرّغ من المعنى.

هذا الصعود المثير لم يكن ليمرّ بهدوء، خصوصًا مع رفض بن نهار التورط في تبرير سياسات الحصار أو التطبيع أو التغوّل الأمني، ما جعله عرضة لغضب النظام السعودي، الذي يرى في كل عقل مستقل تهديدًا لروايته الأحادية.

الذباب الإلكتروني.. أدوات السلطة في وجه الكلمة
حملة الهجوم على بن نهار شارك فيها حسابات ضخمة مثل "كولومبوس" و"زهرانكو"، إلى جانب أسماء أكاديمية مثل عبد الله الجديع، وركزت على اتهامات نمطية مثل "التحريض على الحاكم"، و"التحريف الديني"، بل و"العمالة القطرية".

لكن الأهم أن طريقة الهجوم – المكرّرة، المنظمة، المحشوة بالصور المفبركة والشتائم المنمطة – تكشف عن إدارة مركزية وراء الكواليس، أشبه بـ"غرفة عمليات إلكترونية" تمارس قمعًا رقميًا يتجاوز الحدود الجغرافية للمملكة.

هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها الرياض ما يُعرف بـ"الذباب الإلكتروني" في حملات ممنهجة ضد شخصيات فكرية أو إعلامية، سواء داخل السعودية أو خارجها. لكن استهداف مفكر خليجي مستقل بحجم بن نهار يعكس مستوى القلق من صعود خطاب غير قابل للترويض.

الذاكرة لا تسامح: موقفه من حصار قطر
في خلفية هذه الحملة، تبرز ذاكرة سياسية لم تنسَ موقف بن نهار من أزمة حصار قطر عام 2017، حيث دافع بقوة عن بلاده ووجّه انتقادات صريحة للسعودية والإمارات.

وفي بيئة سياسية خليجية تتسم بالحساسية الشديدة من الانتقاد، تحوّل هذا الموقف إلى "ملف مفتوح"، لا يُغفر ولا يُنسى، ضمن مناخ سياسي يعتمد على تصفية الحسابات والتضييق على كل من يخرج عن الصف.

بن نهار.. ظاهرة تقلق السلطة
في مقابل الحملة، دافع مثقفون وأكاديميون عن نايف بن نهار، واعتبروا الهجوم اعترافًا غير مباشر بتأثيره. وقال الدكتور محمد الشيب، أستاذه في جامعة قطر، إن بن نهار “جمع منذ شبابه بين الفهم العميق للعلم الشرعي والانفتاح على الفكر الإنساني العالمي”.

ويبدو أن مكمن الخطر في مشروع بن نهار لا يكمن في مواقفه السياسية فحسب، بل في قدرته على طرح نموذج فكري إسلامي متجدد، عابر للحدود، غير مصنّع داخل غرف السلطة، وغير تابع للمصالح الغربية.