أعلن "جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة"، التابع للقوات الجوية، عن اعتزامه إنشاء مصنع ضخم لإنتاج ألبان الأطفال، بتكلفة تبلغ نصف مليار دولار، على أن يبدأ تشغيله مطلع عام 2027، في خطوة جديدة تعكس تمدد الأجهزة السيادية في مفاصل الاقتصاد.
المتحدث باسم الجهاز، العميد خالد صلاح، صرّح أن المشروع يأتي في إطار خطة استراتيجية لتقليص واردات ألبان الأطفال التي تُكلّف مصر نحو مليار دولار سنويًا. وأضاف أن المصنع سيُنفذ بالشراكة مع شركات من القطاع الخاص، والتي ستتولى مهام الإدارة والتشغيل، مشيرًا إلى تلقي عروض استثمارية من شركات مصرية وأخرى إماراتية.
ويستهدف المصنع الجديد –وفق ما كشفه صلاح– تغطية ما لا يقل عن 50% من احتياجات السوق المحلية، في ظل تزايد الطلب على هذا المنتج الحيوي وارتفاع فاتورة استيراده في ظل أزمة العملة الأجنبية التي تعصف بالاقتصاد المصري.
الخلفية: "جهاز مستقبل مصر".. ذراع سيادي بلا ضوابط معلنة
تأسس "جهاز مستقبل مصر" في عام 2022 بموجب قرار رئاسي، ليكون كيانًا تنموياً يتبع القوات الجوية بشكل مباشر. إلا أن القرار لم يُنشر في الجريدة الرسمية، ما أثار تساؤلات حول الإطار القانوني لعمل الجهاز وطبيعة صلاحياته، خاصة مع توسّعه السريع في مشروعات زراعية وصناعية وخدمية، عبر شراكات محلية وأجنبية.
ورغم تقديم الجهاز نفسه كفاعل تنموي، يرى مراقبون أن التمركز المتزايد للمؤسسات العسكرية في قطاعات اقتصادية مدنية –ومنها الأغذية والأدوية– يثير مخاوف متكررة لدى القطاع الخاص المحلي، ويبعث برسائل سلبية للمستثمرين الأجانب الذين يطالبون بتكافؤ الفرص وبيئة تنافسية عادلة.
الإمارات في الصورة مجددًا
من اللافت أن الإمارات، التي تُعد من أبرز الحلفاء الاقتصاديين للنظام المصري، عادت لتظهر على الساحة كشريك محتمل في المشروع. فبحسب ما أشار إليه المتحدث باسم الجهاز، فإن بعض العروض الاستثمارية جاءت من شركات إماراتية، دون الإفصاح عن الأسماء أو الحصص المقترحة.
وكانت أبو ظبي قد عززت حضورها الاستثماري في مصر خلال السنوات الماضية، عبر صفقات ضخمة في قطاعات البنية التحتية والطاقة والعقارات والموانئ، ما دفع منتقدين لوصفها بـ"الاحتلال الاستثماري"، خاصة في ظل غياب الشفافية وضعف الرقابة البرلمانية على هذه الشراكات.
احتكار الدولة وغياب السوق
يخشى اقتصاديون من أن يؤدي دخول المؤسسة العسكرية إلى قطاع ألبان الأطفال، الذي يُعد حساسًا ومترابطًا مع الصحة العامة والعدالة الاجتماعية، إلى مزيد من التمركز والاحتكار في السوق. ويرى الخبير الاقتصادي عبدالخالق فاروق أن ما يحدث "ليس اقتصادًا وطنيًا، بل إدارة فوقية للموارد من قبل مؤسسات لا تخضع لرقابة حقيقية، ولا تدفع ضرائب كافية، وتنافس القطاع الخاص بقوة السلطة لا بقوة السوق".