منذ انقلاب 3 يوليو 2013 بقيادة عبد الفتاح السيسي، سعى النظام المصري إلى تقديم نفسه كشريك إقليمي فاعل في إعادة الإعمار والتنمية، لا سيما في الدول التي تعاني من آثار الحروب، مثل العراق، غير أن هذه المساعي لم تكن في جوهرها تنموية أو اقتصادية بقدر ما كانت وسيلة لتوسيع نفوذ الجيش الاقتصادي خارج الحدود، عبر أدوات أبرزها شركة "النصر العامة للمقاولات" التابعة لوزارة قطاع الأعمال، والتي تورطت في مشاريع فاشلة بالعراق تقدر بمليارات الجنيهات، دون تحقيق نتائج ملموسة على الأرض.

 

 المشاريع المصرية في العراق: حجم الاستثمار والشركات العاملة

تعتبر العراق من الأسواق المهمة التي تسعى مصر إلى التوسع فيها عبر شركاتها الحكومية وشبه الحكومية، بلغت قيمة مشاريع المقاولات المصرية في العراق نحو 12 مليار دولار، حسب تصريحات سامي سعد رئيس مجلس إدارة الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء في مارس 2025.

من أبرز الشركات المصرية العاملة هناك: المقاولون العرب، الشركة القابضة لكهرباء مصر، الشركة القابضة للتشييد والتعمير، وشركة النصر العامة للمقاولات (حسن علام).

هذه الشركات تعمل في مجالات البنية التحتية مثل الطرق والجسور والمرافق العامة، وتشارك في مشاريع ضخمة مثل بناء مستشفيات حكومية بتراخيص خاصة من وزارة الصحة العراقية

 

شركة النصر: أداة توسع خارجي بيد العسكر

شركة "النصر العامة للمقاولات" المعروفة باسم "حسن علام" هي واحدة من شركات قطاع الأعمال التي يهيمن عليها ضباط متقاعدون أو مقربون من المؤسسة العسكرية، حيث شاركت الشركة ضمن وفد رسمي زار بغداد في فبراير 2022 بقيادة وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، بهدف توقيع عدد من الاتفاقيات لتنفيذ مشروعات بنية تحتية وإسكان في العراق ضمن ما يعرف بـ"اتفاقية النفط مقابل الإعمار"، إلا أن هذه الاتفاقيات، التي قُدرت قيمتها حينها بما يزيد عن 1.5 مليار دولار، لم تسفر حتى الآن عن أي مشاريع مكتملة، وسط غياب الشفافية والمساءلة حول مصير هذه الأموال.

شركة النصر العامة للمقاولات، تابعة للشركة القابضة للتشييد والتعمير ووزارة قطاع الأعمال العام، نفذت مؤخراً مشروع نفق وجسر في بغداد بتكلفة 41 مليون دولار، إضافة إلى مشاريع أخرى بقيمة 35 مليون دولار في العراق ، ورغم هذه الإنجازات المعلنة، إلا أن هناك انتقادات حادة لفشل هذه الشركات في تحقيق نتائج حقيقية

 

شركات مصرية أخرى..

لا تقتصر المشاركة المصرية في العراق على "النصر" فحسب، بل تشمل أيضًا شركات مثل "المقاولون العرب"، "بتروجيت"، و"أوراسكوم للإنشاءات"، وكلها شركات تربطها علاقات مباشرة أو غير مباشرة بالمؤسسة العسكرية.

وتعد شركة "بتروجيت" التابعة للهيئة الهندسية للقوات المسلحة من أكثر الكيانات نشاطًا في تنفيذ مشاريع البنية التحتية والنفط بالعراق.

وبحسب ما كشفه تقرير للبنك الدولي في 2023، فإن نسبة 70% من العقود المنفذة عبر الشراكة المصرية العراقية ذهبت لشركات مرتبطة بالمؤسسة العسكرية المصرية، ما يطرح تساؤلات جدية حول أولوية العائدات: هل هي للدولة أم للجيش؟

 

أين ذهبت الأموال؟!

رغم مرور أكثر من عامين على بدء تنفيذ بعض المشاريع المعلنة، لم يتم إنجاز أي مشروع استراتيجي بارز، بل على العكس، أظهرت تقارير ديوان الرقابة المالية العراقي في 2024 أن العديد من المشاريع التي أسندت لشركات مصرية تأخرت عن جدولها الزمني أو أُلغيت بسبب ضعف الكفاءة أو خلافات مالية.

ويؤكد مسؤول عراقي سابق أن العديد من الشركات المصرية العاملة هناك طالبت بتحويل أرباحها بالدولار إلى القاهرة، ما يخالف اتفاق "النفط مقابل الإعمار" ويعكس رغبة في جني الأرباح دون تقديم مقابل فعلي.

 

تصريحات رسمية... وواقع مغاير

في أكتوبر 2022، صرّح وزير الإسكان المصري بحكومة الانقلاب عاصم الجزار أن "العراق سيكون بوابة الشركات المصرية لإعادة الإعمار في المنطقة"، وأضاف أن الشركات المصرية "أثبتت جدارتها في مشروعات عملاقة داخل مصر"، لكن الواقع في العراق ينفي ذلك، فقد أظهر تقرير لصحيفة "المدى" العراقية أن أكثر من 60 % من العقود مع الشركات المصرية لم يتم تفعيلها فعليًا حتى بداية 2025، بسبب ضعف الكفاءة الفنية والتورط في شبهات فساد، كما نقل التقرير عن مسؤولين عراقيين أن هناك "توجها متزايدًا نحو تقليص التعاون مع شركات لا تقدم نتائج ملموسة".

 

من المستفيد الحقيقي؟

في نهاية المطاف، تبدو مشاريع مصر في العراق جزءًا من إستراتيجية السيسي لتصدير النفوذ العسكري المصري اقتصاديًا، في وقت يعاني فيه الاقتصاد المحلي من عجز مزمن في الموازنة تجاوز 1.2 تريليون جنيه مصري في 2024، ودين خارجي تخطى 165 مليار دولار، في ظل ذلك، تصبح استثمارات مثل هذه، التي يديرها الجيش ويستفيد منها حفنة من المقربين، مجرد وسيلة لتحويل مسار المال العام إلى قنوات خاصة تحت غطاء "التنمية".

 

 

بينما يروّج النظام المصري لهذه المشاريع كنجاحات دبلوماسية واقتصادية، تشير الوقائع إلى أنها ليست سوى فصل جديد من فصول توسيع إمبراطورية الجيش الاقتصادية، هذه المرة خارج الحدود، والنتيجة واحدة: غياب الشفافية، غياب الفائدة الحقيقية للشعب، وتحميل الدولة مزيدًا من الأعباء.. وكل ذلك تحت راية "إعمار العراق".