يُعتبر الحج من أركان الإسلام الخمسة، وهو واجب ديني على كل مسلم قادر مرة واحدة في العمر. لكن في السنوات الأخيرة، تحوّل الحج إلى ساحة لتصفية حسابات سياسية، خاصة مع تصاعد نفوذ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث يُنظر إلى سياساته في تنظيم الحج على أنها جزء من استراتيجياته لتوطيد سلطته وتسييس الدين لصالح مشروعه السياسي، فقد شهدت السنوات الماضية تشديدات غير مسبوقة على تنظيم الحج، مع فرض قيود صارمة على الحجاج، مما أثار انتقادات واسعة من دول إسلامية وشعوب مسلمة، معتبرين أن هذه الإجراءات تعيق أداء الشعيرة الدينية وتستهدف تصفية حسابات سياسية داخلية وخارجية.

 

أبرز الممنوعين من أداء الحج هذا العام 2025

في موسم الحج لعام 2025، فرضت السلطات السعودية قيوداً مشددة على دخول الحجاج، حيث منعت الأطفال دون سن 12 عاماً من المشاركة، كما فرضت تأشيرات حج بمدة صلاحية 30 يوماً وبنظام دخول مرة واحدة فقط على مواطني 14 دولة من بينها مصر، الهند، باكستان، وإثيوبيا.

هذه الإجراءات جاءت بهدف الحد من الحج غير المنظم ومنع التزاحم، لكنها أثرت بشكل خاص على الحجاج من الدول ذات الكثافة السكانية العالية، مما أثار استياء واسع.

كما تم تعليق بعض فئات التأشيرات مؤقتاً خلال فترة الحج، ومنع دخول حاملي تأشيرات الزيارة والسياحة إلى مكة المكرمة خلال هذه الفترة، حتى لو كانوا داخل المملكة سابقاً.

 

إجراءات الحج لعام 2025

يبدأ موسم الحج هذا العام بين 31 مايو و2 يونيو 2025 (4-6 ذو الحجة)، ويجب على الحجاج المغادرة قبل 6 يوليو 2025 (10 ذو الحجة).

تم تعليق أداء العمرة من 29 أبريل وحتى 10 يونيو 2025 لإعطاء الأولوية للحجاج.

كما فرضت السلطات السعودية نظام "لا حج بدون تصريح"، حيث يجب على الحجاج الحصول على تصريح رسمي من خلال المنصات المعتمدة، مع الالتزام التام بالمواعيد المحددة.

أي مخالفة لهذه القوانين قد تؤدي إلى غرامات مالية تصل إلى 20,000 ريال سعودي، بالإضافة إلى الترحيل وحظر الدخول لمدة تصل إلى 10 سنوات.

 

التضييق في تطبيق القوانين.. الأسباب والدوافع

التشديد في تطبيق قوانين الحج هذا العام يعكس توجهات سياسية وأمنية واضحة من قبل السلطات السعودية، خاصة في ظل التحديات الأمنية واللوجستية التي تواجهها المملكة في تنظيم أكبر تجمع ديني في العالم.

حملة اعتقالات واسعة شملت أكثر من 18,000 شخص خلال أسبوع واحد فقط في أبريل 2025، بسبب مخالفات في الإقامة والعمالة والحدود، تعكس رغبة النظام في السيطرة الصارمة على الحركة داخل المملكة خلال موسم الحج.

هذه الإجراءات تأتي أيضاً في سياق تعزيز "رؤية السعودية 2030" التي يروج لها محمد بن سلمان، والتي تهدف إلى تنظيم الحج بشكل أكثر مركزية وتحكمًا، لكنها في الوقت نفسه تثير مخاوف من التضييق على الحريات الدينية والسياسية.

تُتهم السلطات السعودية بتسييس فريضة الحج من خلال فرض قيود صارمة على الحجاج، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير والتنقل، ففي عام 2024، أصدرت وزارة الداخلية السعودية تحذيرات مشددة ضد أي محاولات "لتسييس الحج"، مؤكدة أنها لن تسمح بأي "هتافات غوغائية" أو "شعارات سياسية" خلال أداء المناسك، وقد تم ضبط 160 حملة وهمية وإعادة 135 ألف مركبة و250 شخصًا من غير المقيمين، وإخراج وإعادة نحو 256 ألف شخص لم يحملوا تأشيرة حج.

 

تصريحات سياسية وأرقام تعكس الأزمة

فيما يتعلق بمصر، فقد فقدت الدولة أكثر من 50,000 من حصص الحج بسبب تأخر بعض الجهات الخاصة في استكمال إجراءات الحجز والتعاقدات مع السعودية، مما أثار انتقادات من سياسيين معارضين للنظام المصري الحالي بقيادة عبد الفتاح السيسي، الذي يُنظر إليه على أنه انقلابي يدعم سياسات محمد بن سلمان.

وزير الشؤون الدينية الهندي كيرين ريجيو طالب بعدم تسييس الحج، لكنه أقر بفقدان الهند لعدد كبير من الحصص بسبب التأخير في الإجراءات.

هذه الأرقام والتصريحات تعكس مدى تأثير السياسات السعودية المشددة على الدول الإسلامية وحجاجها، وتبرز حالة التوتر السياسي والديني المحيطة بموسم الحج هذا العام.

 

خلاصة: الحج في ظل حكم بن سلمان

الحج 2025 يشهد تشديداً غير مسبوق في تنظيمه، مع فرض قيود صارمة على الحجاج من دول عدة، خاصة مصر التي تعاني من فقدان حصص كبيرة بسبب تعقيدات إدارية وسياسية.

هذه الإجراءات تأتي في سياق سياسات محمد بن سلمان التي تسيّس الدين وتستخدم الحج كأداة للسيطرة السياسية، فيما يدعم النظام المصري بقيادة السيسي هذه السياسات حفاظاً على تحالفاته الإقليمية.

التضييق على الحجاج، الاعتقالات الواسعة، والغرامات المالية الثقيلة، كلها مؤشرات على تحول الحج من مناسبة دينية روحية إلى حدث سياسي أمني يخضع لمصالح الأنظمة الحاكمة، مما يثير تساؤلات حول مستقبل هذه الشعيرة المقدسة في ظل هذه الظروف.