أثارت استقالة مشيرة خطاب من رئاسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، والتي أعلن عنها المجلس مساء أمس الأحد، موجة من الجدل الواسع في الأوساط الحقوقية والسياسية وسط تساؤلات متزايدة حول حقيقة دوافع الاستقالة، وتوقيتها، وانعكاسها على مصير المجلس الذي يواجه خفضًا مرتقبًا في تصنيفه الدولي.

ورغم أن بيان المجلس الرسمي أشار إلى رغبة خطاب في الترشح للعمل بإحدى المؤسسات الدولية، فإن مصادر مقربة منها نفت وجود أي ارتباط فعلي بين الاستقالة ومنصب خارجي محتمل، مرجحة أن الاستقالة جاءت بعد "إحباطات متراكمة" عجزت خطاب خلالها عن تحقيق أي تغيير ملموس في ملفات حقوق الإنسان.

 

استقالة في اللحظات الأخيرة

يتبقى أقل من سبعة أشهر على انتهاء الدورة الحالية للمجلس، المقرر أن تُختتم في ديسمبر المقبل، وهو ما جعل توقيت الاستقالة محط تساؤلات وانتقادات. فقد وصفها ناصر أمين، العضو السابق في المجلس ومدير المركز العربي لاستقلال القضاء، بأنها "محاولة متأخرة لغسل اليدين من أسوأ أداء شهده المجلس خلال العقدين الماضيين".

وأكد أمين أن المجلس فقد استقلاليته وتحول إلى "جهاز تابع"، متوقعًا أن تؤدي هذه الاستقالة، إلى جانب الأداء المتردي للمجلس، إلى خفض رسمي في تصنيفه الدولي خلال الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن خطاب "اختارت العمل في المناطق الآمنة كالتثقيف والتوعية، وتجاهلت التوصيف الحقوقي لانتهاكات جسيمة كالتعذيب والاختفاء القسري".

 

مؤسسة منهارة تحت الضغوط

استقالة خطاب، التي لم تعلّق عليها حتى اللحظة، تأتي بعد شهور من تصاعد الضغوط الدولية على المجلس. ففي نوفمبر الماضي، أوصت اللجنة الفرعية للاعتماد في التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (GANHRI) بخفض تصنيف المجلس إلى الفئة (ب)، مشيرة إلى إخفاقه في الالتزام بمبادئ باريس، لا سيما في مجالات الاستقلالية والشفافية والفعالية.

وأوضحت اللجنة أن أسلوب تعيين أعضاء المجلس، الذي يجري بالكامل عبر السلطة التنفيذية ودون أي آليات تشاورية أو رقابة مجتمعية، يُقوّض قدرته على أداء دوره الرقابي المستقل. كما انتقدت اللجنة تجاهل المجلس لانتهاكات خطيرة كالاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وفشله في إصدار تقارير منذ عام 2020.

 

من علاء عبد الفتاح إلى "تبادل الاتهامات"

من أبرز المواقف المثيرة للجدل في سجل خطاب، تحميلها الناشط المسجون علاء عبد الفتاح، مسؤولية تهديد المجلس بخفض التصنيف الدولي، وهو ما صرحت به في لقاء تلفزيوني سابق، قائلة إن شكوى تقدم بها جده (الحقوقي البارز بهي الدين حسن) هي التي فتحت الملف دوليًا. وأثارت هذه التصريحات انتقادات واسعة، إذ اعتُبرت محاولة لتحويل اللوم من الأداء المؤسسي إلى الناشطين.

في المقابل، اعتبر أمين أن خطاب لم تُفعّل صلاحيات المجلس التي يقرها الدستور، مثل تمثيل الضحايا أمام المحاكم، كما حدث في قضية شيماء الصباغ. بل إن المجلس، حسب قوله، تنازل عن مكتسبات نضالية سابقة، واكتفى بترديد الروايات الرسمية، في تعارض صارخ مع مبادئ حقوق الإنسان.

 

مشهد الغياب الكامل للتقارير

أحد أبرز أوجه الإخفاق التي وثقتها اللجنة الدولية، يتمثل في فشل المجلس خلال ولاية خطاب في إصدار تقارير دورية، ما حرم المجتمع المدني من فرصة تقييم أدائه، وقلّص من مساحة الرقابة والضغط العام على الانتهاكات. وتُعد التقارير من أبرز أدوات مساءلة المؤسسات الحقوقية، ما يجعل هذا الغياب مؤشرًا على "موت سريري" لدور المجلس، بحسب وصف أحد الباحثين الحقوقيين.

 

نهاية ولاية باهتة.. وبداية غامضة

بموجب القوانين المنظمة للمجلس القومي لحقوق الإنسان، فإن البرلمان يمكنه بدء إجراءات تشكيل مجلس جديد قبل شهرين من نهاية ولاية التشكيل الحالي. وتشمل الإجراءات تلقي الترشيحات من النقابات والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني، قبل عرضها على رئيس الجمهورية لاعتماد التشكيل بقرار جمهوري.

وبينما تولى نائب الرئيس الحالي، محمود كارم، مهام رئاسة المجلس بالنيابة حتى نهاية الدورة، يرى مراقبون أن الاستقالة لن تُغيّر من واقع المؤسسة إلا إذا اقترنت بإصلاحات تشريعية حقيقية تضمن استقلال المجلس، وتفعّل آلياته الرقابية، وتعزز سلطته في التصدي للانتهاكات الحقوقية المتزايدة في البلاد.