شهدت الجلسة العامة لمجلس الشيوخ، أمس الأحد، نقاشات ساخنة ومتشعبة حول قانون الضريبة على العقارات المبنية، كاشفة عن فجوة متزايدة بين نصوص التشريع وواقع التطبيق، وبين أولويات الاستثمار وضرورات العدالة الضريبية. وبينما تركز النقاش الأساسي حول ضرورة تعديل القانون رقم 196 لسنة 2008 لضبط تقديرات الضرائب وتحقيق العدالة، أثار الحديث عن الإعفاءات الممنوحة للمؤسسات الدينية، وعودة "الكتاتيب"، جدلاً سياسياً وفكرياً داخل قاعة المجلس.

 

حكومة تبحث عن توازن.. ومجلس يشكك في العدالة

جاءت هذه المناقشات بعد أيام من موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون لتعديل بعض أحكام قانون الضريبة العقارية، في محاولة لمعالجة ما وُصف بأنه "اختلالات صارخة" في تقديرات الضريبة وطرق تطبيقها.

وخلال الجلسة، شدد النائب هاني سري الدين، رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية، على ضرورة إعادة النظر في الإعفاءات الحكومية، خصوصًا تلك التي تستفيد منها عقارات تدر دخلاً كبيرًا، مثل الفنادق. وقال سري الدين: "لا يعقل أن تمتلك الحكومة عقارات فندقية لا تُسدد عنها الضرائب بينما يُطالَب بها المستثمر الخاص، هذا يخل بمبدأ المنافسة العادلة".

وأضاف أن هناك تباينًا كبيرًا في تقدير قيمة الضريبة بين أحياء مختلفة، وهو ما يُضعف العدالة الضريبية ويضرب ثقة المواطنين في القانون.

 

المصانع والمولات في سلة واحدة

وفي ما يتعلق بالقطاع الصناعي، لفت سري الدين إلى خطورة استخدام نفس معايير التقييم المطبقة على المراكز التجارية لتقدير ضرائب المصانع، معتبرًا أن هذا النهج يعرض الإنتاجية للخطر ويزيد الأعباء المالية على القطاع الصناعي، في توقيت يحتاج فيه الاقتصاد إلى كل دفعة ممكنة.

 

الحكومة تطمئن وتعد بإصلاحات

من جانبه، أكد شريف الكيلاني، نائب وزير المالية للسياسات الضريبية، أن الحكومة لا تعتزم فرض زيادات جديدة على الضريبة العقارية، بل تسعى لمعالجة تشوهات التطبيق. وأوضح أن المصانع لا تخضع حاليًا للنصوص العامة، إذ تتحمل الخزانة العامة الضريبة عنها حتى عام 2026، فيما يجري التنسيق مع اتحاد الصناعات لتحديد آلية لما بعد ذلك.

كما أشار إلى توجه الوزارة لرفع حد الإعفاء الضريبي من مليوني جنيه إلى أربعة ملايين، في خطوة تهدف إلى تخفيف العبء عن محدودي ومتوسطي الدخل.

 

دعوات لتوحيد التقدير وإلغاء الإعفاءات الخاصة

طالب عدد من النواب بتعديلات محددة على القانون، شملت تعديل المادة 3 لتوحيد تاريخ استحقاق الضريبة، وضبط نسب الزيادة في التقدير الخمسي وفق المادة 5، إلى جانب حذف إعفاءات عقارات الدولة المملوكة ملكية خاصة والمستخدمة في أنشطة اقتصادية، كما ورد في المادة 11.

واقترح النائب بهاء أبو شقة، وكيل المجلس، إنشاء "الهيئة العامة لتقييم العقارات المبنية" كجهة مستقلة لتولي عمليات الحصر والتقييم، وربط بيانات الثروة العقارية بين الشهر العقاري والمحليات، مشيرًا إلى أن آليات الحصر الحالية "عاجزة ومفتقرة للخبرات الفنية".

كما دعا إلى تخفيض الضريبة بنسبة 50% لأصحاب المعاشات ومحدودي الدخل، مراعاةً للأوضاع الاجتماعية المتردية.

 

الكتاتيب تعود.. والجدل يحتدم

لكن ما أثار الجدل الأكبر خلال الجلسة كان تدخل النائب السيد عبد العال، رئيس حزب التجمع، الذي انتقد إعفاء مراكز ومنشآت التعليم الديني من الضريبة العقارية. وقال عبد العال: "أنا مش ضد التعليم الديني، لكن لا أعطي حافزًا له"، مؤكدًا أن إعفاء هذه المراكز يتعارض مع مبدأ العدالة في تحمل الأعباء العامة.

وتابع: "دور العبادة يجب أن تظل معفاة، أما المراكز الخاصة فعليها الالتزام بالضريبة". وأثار تصريح النائب موجة من التعليقات داخل المجلس، ليتدخل رئيس المجلس، عبد الوهاب عبد الرازق بقوله: "هذا ليس موضوع الجلسة".