شهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في التوتر بين مصر وإسرائيل، خاصةً في منطقة سيناء وعلى الحدود مع قطاع غزة، دولة الاحتلال الإسرائيلي طلبت في أبريل 2025 سحب الجيش المصري من سيناء، وهو ما أثار ردود فعل متباينة في مصر، حيث اعتبر خبراء عسكريون أن دولة الاحتلال لا تسعى لتعديل اتفاقية السلام ولا تعتزم إعادة نشر قواتها على الحدود، لكن هذه الطلبات تسببت في توتر واضح بين الطرفين.

كما أن دولة الاحتلال الإسرائيلي استمرت في خرق اتفاقيات وقف إطلاق النار، عبر تعزيز قواتها وإنشاء طريق بطول 14 كيلومتراً في المنطقة الحدودية، في خرق للبروتوكولات المتفق عليها مع مصر

 

من كامب ديفيد إلى مرحلة التوتر.. سلام هش منذ البداية

منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978، التي مهّدت لمعاهدة السلام بين مصر ودولة الاحتلال في مارس 1979، دخلت العلاقات بين الطرفين في مرحلة "سلام بارد" استمر لعقود، ورغم استمرار التنسيق الأمني، لا سيما في شبه جزيرة سيناء، فإن العلاقة ظلّت محصورة في نطاق المصالح الأمنية والسياسية، تولّى النظام المصري دور الوسيط بين الاحتلال والفصائل الفلسطينية، خصوصًا في قطاع غزة، لكنه حافظ على علاقات رسمية لم تحظَ بقبول شعبي واسع داخل مصر.

 

بداية التوتر

في مطلع مايو 2024، وتحديدًا يوم 5 مايو، شهدت المنطقة الحدودية بين مصر وقطاع غزة اشتباكًا مسلحًا بعد أن اجتاحت قوات الاحتلال معبر رفح من الجهة الفلسطينية ضمن عمليتها العسكرية في غزة، ما أسفر عن مقتل جندي مصري في نقطة مراقبة مصرية.

جاء الرد المصري عبر بيان لوزارة الخارجية اعتبر الحادث "انتهاكًا واضحًا للسيادة المصرية"، محذرًا من تداعيات تمس "العلاقات الثنائية والمعاهدات الدولية"، فالحدث أثار ضجة شعبية وإعلامية كبيرة داخل مصر، وسط تنديد واسع بما وصفه البعض بـ"الاعتداء السافر من دولة الاحتلال على الأراضي المصرية".

 

تصريحات متصاعدة تكشف هشاشة العلاقات

في 6 مايو، خرج رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو بتصريحات وصف فيها العملية في رفح بأنها "ضرورية لحماية أمن إسرائيل"، ما قُوبل برفض مصري رسمي. وردت وزارة الخارجية المصرية مجددًا في 7 مايو بتأكيد أن "السيادة المصرية خط أحمر"، فيما نقلت وسائل إعلام محلية أن قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي أبدى في اجتماع أمني طارئ استياءه من "عدم احترام الاحتلال للحدود المتفق عليها". وفي جلسة للبرلمان بتاريخ 9 مايو، صرّح وزير خارجية الانقلاب السابق سامح شكري بأن "العلاقات مع دولة الاحتلال تخضع الآن لمراجعة شاملة".

 

غضب شعبي وضغوط دولية على النظام

الشارع المصري شهد حالة من الغليان عقب الحادثة، خصوصًا مع استمرار المجازر التي ترتكبها دولة الاحتلال في غزة، والتي بلغ عدد ضحاياها، بحسب بيانات الأمم المتحدة حتى مايو 2025، أكثر من 35,000 شهيد، معظمهم من النساء والأطفال. الجامعات المصرية شهدت مظاهرات حاشدة، ووسوم إلكترونية تطالب بقطع العلاقات مع الاحتلال تصدّرت منصات التواصل الاجتماعي.

في المقابل، تمارس واشنطن ضغوطًا على نظام السيسي لمنع التصعيد، حيث صرّح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 10 مايو أن "اتفاق السلام بين مصر ودولة الاحتلال لا بد أن يبقى ركيزة الاستقرار في المنطقة"، داعيًا إلى ضبط النفس من كلا الطرفين.

 

من الرابح من التصعيد ؟

التوتر الحالي بين مصر دولة الاحتلال الإسرائيلي يصب في مصلحة عدة أطراف إقليمية ودولية تسعى إلى إعادة رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط. دولة الاحتلال الإسرائيلي تحاول استغلال الوضع لإعادة تحديد خطوط السيطرة في غزة وسيناء، بينما تستخدم بعض القوى الإقليمية هذا التوتر لتعزيز نفوذها عبر دعم الفصائل الفلسطينية أو الضغط على مصر للقبول بتغييرات في الاتفاقيات.

من جهة أخرى، هناك مخاوف من أن يؤدي هذا التوتر إلى تقويض دور مصر كضامن للاستقرار في المنطقة، ما قد يفتح الباب أمام تدخلات خارجية أوسع.

داخليًا، قد يسعى نظام السيسي لاستغلال الموقف لتحسين صورته شعبياً عبر تصعيد الخطاب ضد الاحتلال، بعد سنوات من التنسيق الأمني العلني وغير العلني، في المقابل، يحاول نتنياهو استخدام التوتر لكسب تأييد تيارات اليمين المتطرف داخل حكومته، وتبرير استمرار العدوان على غزة.

 

هل تُنسف اتفاقية كامب ديفيد؟

رغم أن القاهرة لم تعلن رسميًا نيتها إلغاء اتفاقية كامب ديفيد، إلا أن الحديث عن مراجعتها بات أكثر جدية من أي وقت مضى. أصوات داخل البرلمان المصري بدأت تطالب بتجميد التعاون الأمني وسحب السفير، كما أظهرت دراسة صادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية في مايو 2025 أن 62% من المصريين يطالبون بوقف العلاقات مع الاحتلال.

وقد يكون التصعيد الأخير نقطة تحوّل تعيد فتح ملف الاتفاقية التي كانت توصف سابقًا بـ"المقدسة"، لكنها باتت الآن محل مراجعة شعبية ورسمية في ظل المجازر المستمرة في غزة والاستهتار بسيادة مصر.

 

السيناريوهات المحتملة

كلا الطرفين يدركان أن التصعيد العسكري المباشر لن يخدم مصالحهما، لكن استمرار التوتر قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في المشهد الإقليمي، وهناك سيناريوهان رئيسيان لمستقبل التوتر بين مصر وإسرائيل؛

السيناريو الأول: هو استمرار الضغط الدبلوماسي من مصر عبر القنوات الدولية، خاصة مع الولايات المتحدة، لمنع أي تصعيد أو خروقات جديدة.

السيناريو الثاني: هو احتمال تحول التوتر إلى مواجهة غير مباشرة، قد تشمل دعم مصر السياسي واللوجستي للفلسطينيين، أو اتخاذ إجراءات عسكرية محدودة لحماية أمنها القومي، مع التأكيد على أن مصر ليست في وارد الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل.