شهدت العاصمة المصرية القاهرة في 27 مايو 2025 جولة جديدة من المحادثات العسكرية رفيعة المستوى بين مسؤولين من وزارتي الدفاع المصرية والإيطالية، في إطار مساعي البلدين لتعزيز الشراكة الدفاعية وتبادل الخبرات العسكرية.
فقد استضافت مصر محادثات عسكرية هامة جمعت الفريق أحمد خليفة، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية بحكومة الانقلاب، مع الفريق أول لوتشيانو بورتولانو، رئيس هيئة الأركان المشتركة الإيطالية، في مقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع المصرية.
وجاء هذا اللقاء بعد سلسلة من الاجتماعات الثنائية التي عُقدت خلال عامي 2023 و2024، كان أبرزها زيارة وزير الدفاع الإيطالي "غويدو كروسيتّو" إلى مصر في يونيو 2024، والتي وصفها بأنها "محطة استراتيجية لإعادة تموضع العلاقات الأمنية في شرق المتوسط".
أسباب تنامي التنسيق العسكري بين البلدين
يأتي هذا التعاون في سياق التغيرات الجيوسياسية في شرق المتوسط وشمال إفريقيا، حيث تتزايد الحاجة إلى تنسيق أمني إقليمي لمواجهة التحديات المشتركة مثل الهجرة غير الشرعية، تهريب الأسلحة.
كما أن الموقع الجغرافي الحيوي لمصر عند مفترق طرق التجارة البحرية، وخاصة قناة السويس، يجعلها شريكًا محوريًا لإيطاليا، التي تنظر إلى مصر كضامن للاستقرار الإقليمي.
وفي هذا السياق، صرح السفير الإيطالي في القاهرة، ميكيلي كواروني، في إبريل 2025، بأن "مصر ليست فقط شريكًا اقتصاديًا لإيطاليا، بل حليف استراتيجي في أمن البحر المتوسط".
ووفقًا لتقارير صادرة عن وزارة الدفاع الإيطالية، فإن 22% من صادرات الدفاع الإيطالية في عام 2024 كانت موجهة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكانت مصر واحدة من أكبر المستوردين، حيث بلغت قيمة صفقات التسليح بين البلدين أكثر من 1.3 مليار يورو خلال السنوات الثلاث الماضية.
الشراكة الدفاعية.. من التدريب إلى التصنيع
لم تقتصر المحادثات العسكرية على الجانب السياسي، بل شملت أيضًا مناقشة سبل تطوير التعاون في مجالات التدريب، التحديث التكنولوجي، والتصنيع العسكري المشترك.
وقد أعلنت وزارة الدفاع المصرية في بيان لها أن الجانبين اتفقا على تنظيم مناورات بحرية وجوية مشتركة خلال النصف الثاني من عام 2025، إلى جانب اتفاقيات لتبادل البعثات العسكرية وتطوير أنظمة الاتصالات الدفاعية.
ومن المتوقع أن تستفيد مصر من التكنولوجيا الدفاعية الإيطالية المتقدمة، خاصة في مجالات الطائرات دون طيار والرادارات الحديثة، بينما تسعى إيطاليا للاستفادة من البنية التحتية الصناعية المصرية، خاصة في الهيئة العربية للتصنيع ومصانع الإنتاج الحربي.
كما أن هذه الشراكة قد تسهم في تطوير نموذج أمني إقليمي قائم على التعاون متعدد الأطراف، وهو ما أشار إليه الخبير العسكري الإيطالي "دومينيكو روسي"، في حديث لقناة "RAI News" قائلاً: "مصر تلعب دورًا متقدمًا في مواجهة التهديدات غير التقليدية، والشراكة معها ليست خيارًا بل ضرورة".
الأسباب والدوافع وراء المحادثات
تأتي هذه المحادثات في ظل تطورات إقليمية ودولية معقدة، حيث تسعى مصر وإيطاليا إلى تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط.
حيث أكد الفريق أحمد خليفة اعتزازه بالعلاقات الممتدة بين القوات المسلحة المصرية والإيطالية، مشيراً إلى حرص القيادة العامة للقوات المسلحة على توسيع آفاق التعاون العسكري بما يخدم المصالح المشتركة.
من جهته، شدد الفريق الإيطالي على حرص بلاده على دعم العلاقات العسكرية وتبادل الخبرات خلال المرحلة المقبلة، مشيداً بالدور الفاعل لمصر في إرساء دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة.
هذه الشراكة تأتي في سياق سعي مصر لتعزيز قدراتها العسكرية في مواجهة التحديات الإقليمية، بينما تسعى إيطاليا لتعزيز نفوذها في منطقة المتوسط عبر شراكات استراتيجية مع دول محورية مثل مصر
المجالات والتفاصيل الفنية للتعاون
تتضمن مجالات التعاون العسكري بين مصر وإيطاليا تبادل الخبرات في مجالات القتال الجوي، التدريب البحري، وتطوير القدرات التقنية في أنظمة الدفاع.
كما تشمل المحادثات بحث إمكانية شراء وتحديث معدات عسكرية، حيث تجري مصر مفاوضات مستمرة مع عدة دول لتحديث أسطولها الجوي، بما في ذلك شراء مقاتلات متطورة، رغم بعض الاعتراضات الإقليمية.
ومن المتوقع أن يشمل التعاون أيضاً تبادل الخبرات في مجالات القيادة والسيطرة، والتنسيق العملياتي بين القوات المسلحة في البلدين.
المجالات التي ستشهد التعاون الأبرز بين مصر وإيطاليا في المرحلة القادمة تشمل عدة قطاعات استراتيجية ومتنوعة، وهي كالتالي:
- التعاون العسكري والأمني: يتضمن تبادل الخبرات في مجالات القتال الجوي، التدريب البحري، تطوير القدرات التقنية لأنظمة الدفاع، بالإضافة إلى التنسيق العملياتي وتبادل المعلومات الاستخباراتية، مع التركيز على مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
- البنية التحتية والنقل: توقيع اتفاقيات مهمة في قطاعي البنى التحتية والنقل، منها مشروع خط القطار السريع بين القاهرة والإسكندرية، وإنشاء قطار سياحي فاخر إيطالي الصنع، بالإضافة إلى تطوير الربط بين الموانئ المصرية والإيطالية وتعزيز النقل البري والبحري.
- الطاقة المتجددة والصناعات البترولية: التعاون في مجال الطاقة، خاصة الطاقة الشمسية والرياح، مع نقل التكنولوجيا والإنتاج المشترك، ودعم برنامج تطوير معامل التكرير، وتعزيز الاستدامة البيئية والابتكار التكنولوجي في قطاع الطاقة.
- الصناعات الغذائية والزراعية والتكنولوجية: يشمل الإطار التعاقدي التعاون في الصناعات الغذائية والزراعية، والتعليم والتدريب، والتكنولوجيا، والصناعات الثقافية والسياحية، بهدف تعزيز الاقتصاد وتطوير القدرات الصناعية والتقنية.
- التدريب المهني والتقني: تطوير مراكز التدريب المهني التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي في مصر، والاستفادة من خبرة إيطاليا الكبيرة في هذا المجال، بهدف رفع كفاءة العمالة المصرية وتلبية احتياجات سوق العمل.
- السياحة الفاخرة والثقافية: التعاون في تطوير قطاع السياحة الفاخرة، بما في ذلك مشاريع سياحية متميزة مثل القطار السياحي، وتعزيز التبادل الثقافي، وتنظيم فعاليات مشتركة مثل المشاركة في معرض ميلانو.
- مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن الإقليمي: دعم إيطاليا لمصر في جهود مكافحة الإرهاب، خاصة في سيناء، والتنسيق المشترك لمواجهة التنظيمات الإرهابية، بما يعزز الأمن والسلم الدوليين في المنطقة
الخلاصة..
تُظهر المحادثات العسكرية المصرية-الإيطالية الأخيرة رغبة واضحة في تعزيز شراكة استراتيجية عميقة بين البلدين، تستند إلى مصالح أمنية مشتركة وتطلعات لتعزيز الاستقرار الإقليمي، ومع استمرار هذه الديناميكية، من المتوقع أن تشهد العلاقات العسكرية بين مصر وإيطاليا تطوراً ملموساً في السنوات القادمة ويخدم مصالحهما الطرفين الإقليمية.