تتعثر المفاوضات بين حكومة عبدالفتاح السيسي وبعثة صندوق النقد الدولي حول صرف الشريحة الخامسة من قرض الصندوق البالغ 8 مليارات دولار، في ظل تصاعد الخلافات بشأن مدى التزام الدولة بتقليص دورها في الاقتصاد وتمكين القطاع الخاص، بحسب ما كشفته مصادر مطلعة في وزارة المالية ومجلس الوزراء.
وبحسب مصدر بارز بوزارة المالية، فإن سبب التعثر الرئيسي يعود إلى رفض الحكومة الاستجابة الكاملة لمطالب الصندوق المتعلقة بتنفيذ بنود وثيقة سياسة ملكية الدولة، التي تنص على انسحاب الدولة من قطاعات استثمارية معينة لصالح القطاع الخاص.
ويضيف المصدر أن وفد الصندوق عبّر عن "تحفظ واضح" تجاه بطء الحكومة في تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، وعدم الالتزام بخطة تقليص الوجود الحكومي في السوق، وهو ما يعتبره الصندوق "خطوة عكسية" تهدد بتقويض جهود خفض العجز المالي والدين العام.
وكانت مصر قد تلقت الشهر الماضي الشريحة الرابعة من القرض، بقيمة 1.2 مليار دولار، بعد مراجعة مطولة للبرنامج الموقع عام 2022.
ومنذ أسبوعين، بدأت بعثة فنية من صندوق النقد اجتماعاتها مع مسؤولين حكوميين، لمراجعة الشريحة الخامسة، التي كان من المفترض أن تكون بنفس قيمة سابقتها، لكنها اصطدمت بجملة من العقبات.
ووفقًا لمصدر حكومي رفيع بمجلس الوزراء، شملت النقاشات بين الطرفين ملفات حساسة، أبرزها إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، ودمج الهيئات الاقتصادية، وخطة تصفية بعضها، إضافة إلى إدارة سعر الصرف، وهو الملف الذي لا يزال يثير جدلًا واسعًا بين الطرفين.
ففي الوقت الذي تطالب فيه بعثة الصندوق بمزيد من المرونة في تحديد سعر صرف الجنيه، ترى الحكومة أن تطبيق هذا الطلب في الوقت الراهن قد يؤدي إلى قفزات جديدة في معدلات التضخم، ويضاعف من معاناة المواطنين.
وتشير تصريحات سابقة للبنك المركزي في مارس 2024، إلى التزامه بسياسات السوق الحرة في تحديد سعر الصرف، تزامنًا مع رفع سعر الفائدة 6%، في خطوة تهدف إلى امتصاص الضغوط التضخمية.
59 هيئة اقتصادية تحت المشرط
قدمت الحكومة خطة لإعادة هيكلة 59 هيئة اقتصادية، تشمل دمج بعض الكيانات، وتحويل أخرى إلى هيئات عامة، مع تصفية كيانات غير فعالة.
وأكد مصدر أن مسؤولي الصندوق شددوا على ضرورة تنفيذ هذه الخطوات بوتيرة أسرع، لتقييم الوضع المالي والإداري للدولة بصورة أكثر دقة.
كما وعدت الحكومة بطرح 11 شركة وبنكًا للاستثمار، سواء عبر البورصة أو لمستثمرين استراتيجيين، بدءًا من الشهر المقبل، في إطار الالتزامات السابقة مع الصندوق.
صعوبات متراكمة
برنامج صندوق النقد الحالي لم يكن خاليًا من العقبات، فقد شهد تأجيل المراجعتين الأولى والثانية نتيجة تباطؤ الإصلاحات، قبل أن تنتظم وتيرة التنفيذ بداية من مارس 2023، بعد تحرير سعر الصرف الرسمي، وتوقيع اتفاق استثماري ضخم مع الإمارات ضمن صفقة "رأس الحكمة"، التي ضخت أكثر من 24 مليار دولار في السوق المصري.
وعلى خلفية تضرر الاقتصاد المصري من الحرب على غزة وتراجع إيرادات قناة السويس، وافق صندوق النقد في مارس الماضي على توسيع حجم القرض من 3 مليارات إلى 8 مليارات دولار، مع تقديم تمويل إضافي بقيمة 1.3 مليار دولار من برنامج "الصلابة والاستدامة"، يُصرف على دفعات.