من مشهد استعراضي في شوارع المعادي إلى واقعة دماء أمام مدرسة في المقطم، يتكرر المشهد وتتبدل الضحية، لكن البطل واحد: أحمد أبو المجد، الشهير بـ"حريقة"، نجل المستشار بمحكمة استئناف الإسماعيلية، الذي أصبح رمزًا مثيرًا لظاهرة أبناء النخبة المحصّنين من الحساب.
عاد "طفل المرور" الذي أثار استهجان الشارع المصري قبل خمس سنوات إلى واجهة الجدل العام، ولكن هذه المرة ليس بسبب قيادة دون رخصة، بل بسبب تهمة الشروع في القتل.
ففي واقعة هزّت حي المقطم بالقاهرة، اتُّهم أبو المجد برفقة اثنين من أصدقائه، بالاعتداء على شاب يدعى يوسف خالد أمام مدرسة باستخدام عصا بيسبول، ما أدى إلى كسر في الجمجمة ونزيف داخلي أُدخل بسببه العناية المركزة.
"ده مات.. يلا نجري": عنف بدم بارد
بحسب شهود العيان، لم تكن الواقعة مشاجرة عابرة أو رد فعل غاضب، بل هجوم متعمد وسريع، أعقبه فرار من موقع الجريمة وسط عبارات صادمة مثل "ده مات.. يلا نجري"، قالها أحد المعتدين، بحسب رواية الشهود.
وسرعان ما انتشر مقطع مصور يوثق لحظة الاعتداء على منصات التواصل الاجتماعي، مثيرًا موجة غضب واسعة، ما دفع الجهات الأمنية إلى التحرك السريع واعتقال المتهمين، وعلى رأسهم "حريقة".
لكن، وكما في السابق، لم تستمر فترة الحبس طويلاً، إذ قررت النيابة العامة إخلاء سبيل أحمد أبو المجد بكفالة 20 ألف جنيه، واثنين من شركائه بكفالة 10 آلاف جنيه لكل منهما، بعد أربعة أيام فقط من الحبس الاحتياطي.
من "إنت عارف أنا ابن مين؟" إلى نزيف في الدماغ
واقعة المقطم تعيد إلى الأذهان حادثة "طفل المرور" التي حدثت في 2020، عندما ظهر أحمد في فيديو يقود سيارة مرسيدس بدون رخصة، ويتطاول على شرطي مرور قائلاً عبارته الشهيرة: "إنت عارف أنا ابن مين؟"، مهدداً الشرطي: "أنا ممكن أقعدك في البيت."
كشفت التحقيقات حينها عن كونه نجل قاضٍ رفيع، وظهرت نتائج تحاليل مخدرات إيجابية له، لكن رغم إحالة القضية لمحكمة الطفل التي أصدرت حكماً بإيداعه في مؤسسة رعاية، سرعان ما أُلغي الحكم بحجة "المصلحة الفضلى للطفل"، ليعود "حريقة" إلى بيئته الطبيعية خلال أقل من شهر.
اليوم، وبعد خمس سنوات، يبدو أن الطفل لم ينسَ ما تعلمه من الواقعة الأولى: أن القانون في متناوله، وأنه يمكنه مجددًا الإفلات من أي عقوبة، طالما أن "البيئة الطبيعية" التي تربى فيها لا ترى غضاضة في استعراض السلطة، أو التعدي بها على الآخرين.
ليست أزمة أخلاق.. بل بنية فساد متجذرة
يرى خبراء ونشطاء أن ما يحدث ليس مجرد "أزمة أخلاقية" لشاب طائش، وإنما نموذج متكرر لانحراف ناتج عن شعور دفين بالحصانة المطلقة.
في رأيهم، الأمر لا يتوقف على خطأ فردي، بل على منظومة مشوهة أعطت الضوء الأخضر لسلوكيات متعجرفة، باعتبارها امتيازًا وراثيًا لأبناء الصفوة.
هنا لا يدور النقاش حول "كيف ينحرف الأبناء؟"، بل "لماذا لا يعاقَبون؟".
الجريمة ليست فقط في الضرب أو التعدي، بل في الإفلات من العقاب، وفي شعور المعتدي بأنه محمي، وأن القانون مجرد أداة انتقائية تطبق على البعض وتُرفع عن البعض الآخر.
القضاء في قبضة السلطة.. من استقلال إلى تبعية
يمتد الجدل إلى طبيعة المؤسسة القضائية نفسها، التي يرى كثيرون أنها فقدت استقلالها تدريجياً، خاصة منذ تعديلات قانون السلطة القضائية في 2017 والتعديلات الدستورية في 2019 التي أطلقت يد عبدالفتاح السيسي في تعيين رؤساء الهيئات القضائية، ومنحت المجلس الأعلى للهيئات القضائية صلاحيات تنفيذية مطلقة.
منذ تلك اللحظة، بات القضاء بالنسبة للبعض أشبه بـ"ملكية خاصة" تُدار داخل دائرة مغلقة من الامتيازات والصفقات، يحتمي داخلها أبناء القضاة من المساءلة، ويجد فيها المتهمون من ذوي النفوذ ملاذًا آمناً.
أبناء السلطة.. الحصانة التي تقتل
قضية "حريقة" ليست فريدة. فالسنوات الأخيرة شهدت وقائع مماثلة، مثل قضية كريم الهواري، نجل رجل الأعمال الذي تسبب في مقتل 4 طلاب بسيارته تحت تأثير المخدرات، ثم خرج بعفو طبي مثير للجدل.
أو قضية هشام طلعت مصطفى، المحكوم عليه بالتحريض على القتل، والذي نال عفوًا رئاسيًا رغم الجرم.
في هذا السياق، تمثل وقائع أبناء الصفوة واجهة لمشكلة أعمق: الخلط بين السلطة العامة والمصلحة الخاصة، وتآكل مبدأ العدالة والمساواة أمام القانون.
شاهد فيديو الاعتداء:
https://x.com/ERC_egy/status/1926360111561183314