كشف جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، خلال جلسة عقدت في الرياض بعنوان "التطورات والآفاق الاقتصادية العالمية والإقليمية"، أن مصر تكبدت خسائر تقدر بنحو 7 مليارات دولار من إيرادات قناة السويس نتيجة التداعيات غير المباشرة للحرب في غزة.
وأوضح أزعور أن النزاعات المستمرة في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا ألقت بظلالها على اقتصادات المنطقة، وأثرت بشكل خاص على الناتج المحلي المصري بسبب تراجع عائدات قناة السويس والسياحة، ما يهدد الاستقرار الاقتصادي في مصر والمنطقة.
تم الإعلان عن هذه الخسائر بشكل رسمي خلال جلسة صندوق النقد الدولي في الرياض بتاريخ 25 مايو 2025، حيث قدم أزعور تحليلاً مفصلاً عن التأثيرات الاقتصادية للنزاعات الإقليمية على مصر ودول أخرى في الشرق الأوسط، كما جاءت تصريحات السيسي في مارس 2025 خلال حفل الإفطار السنوي للقوات المسلحة، حيث تحدث عن الخسائر الشهرية في إيرادات القناة بسبب الأوضاع الأمنية في البحر الأحمر، وأكد رئيس هيئة قناة السويس في مقابلات خلال أبريل ومايو 2025 على استمرار الجهود لاستعادة حركة الملاحة الطبيعية، مع توقعات بتحسن تدريجي خلال النصف الثاني من العام.
الحرب وتأثيرات أمنية إقليمية
تأتي هذه الخسائر في ظل استمرار الهجمات الحوثية المدعومة إقليمياً على السفن في البحر الأحمر، وخاصة في مضيق باب المندب الاستراتيجي، ما دفع عدداً كبيراً من شركات الشحن إلى تحويل مساراتها إلى طرق أطول مثل رأس الرجاء الصالح، رغم ارتفاع تكاليفها وأضرارها البيئية.
وأكد رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، في تصريحات خلال أبريل 2025، أن حركة الملاحة تراجعت بنسبة 50%، وأن إيرادات القناة انخفضت من نحو 10.2 مليار دولار في 2023 إلى 3.9 مليار دولار في 2024، أي خسارة تقارب 7 مليارات دولار، وهو ما يعكس الأزمة الأمنية التي لم تكن القناة طرفاً فيها.
كما أوضح قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي في مارس 2025 أن الخسائر الشهرية من إيرادات القناة تتراوح بين 480 و630 مليون دولار، نتيجة الظروف الأمنية في المنطقة، خاصة هجمات الحوثيين على السفن.
تبخر 70% من الإيرادات
صرحت كريستالينا جورجييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، في أكتوبر 2024، بأن مصر خسرت 70% من إيرادات قناة السويس بسبب حرب غزة، وأوضحت أن التوترات في منطقة الشرق الأوسط أثرت سلبًا على الاقتصاد المصري، مما أدى إلى تراجع كبير في عائدات القناة.
تداعيات اقتصادية.. عجز وتضخم
أدى انخفاض إيرادات قناة السويس إلى تفاقم العجز في الحساب الجاري لمصر، حيث توقعت تقارير صندوق النقد الدولي أن يصل العجز إلى -6.6% في السنة المالية 2024/2025، كما ارتفع معدل التضخم إلى 24.4% في السنة المالية 2023/2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 33.3% في السنة المالية 2024/2025.
المآلات الاقتصادية والتحديات المستقبلية
الاقتصاديون يرون أن هذه الخسائر تمثل ضربة قاسية للاقتصاد المصري الذي يعتمد بشكل كبير على إيرادات قناة السويس كمصدر رئيسي للعملة الصعبة، فالخبير المالي الدكتور محمد عبد الرحيم، أكد أن استقرار الملاحة في البحر الأحمر لا ينعكس فقط على الاقتصاد بل له أبعاد استراتيجية تعزز من مكانة مصر كممر رئيسي للتجارة العالمية، ومع ذلك، فإن استمرار التوترات الجيوسياسية وغياب الأمن الملاحي قد يؤدي إلى مزيد من التراجع في الإيرادات، ما يفاقم الضغوط على ميزان المدفوعات ويحد من قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية.
تصريحات الاقتصاديين ورؤية المعارضة للانقلاب العسكري
وأكد اقتصاديون أن هذه الخسائر الاقتصادية تعكس فشل السياسات الأمنية والاقتصادية للحكومة الحالية في حماية الممرات الحيوية وتأمين الاقتصاد الوطني، والمعارضون يرون أن الانقلاب قاد إلى عزلة دولية وسياسات داخلية أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، وغياب رؤية استراتيجية واضحة للتعامل مع الأزمات الإقليمية، كما يشيرون إلى أن الاعتماد المفرط على قناة السويس كمصدر رئيسي للإيرادات دون تنويع اقتصادي حقيقي يزيد من هشاشة الاقتصاد أمام الصدمات الخارجية.
الخلاصة..
مع استمرار التوترات الإقليمية وتراجع الإيرادات الحيوية مثل قناة السويس والسياحة، يواجه الاقتصاد المصري تحديات كبيرة، ويحذر خبراء اقتصاديون من أن استمرار هذه الأوضاع قد يؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي، ما لم تتخذ الحكومة إجراءات جذرية لإصلاح السياسات الاقتصادية وتعزيز الاستقرار، وإعادة النظر في سياساتها الاقتصادية والأمنية، للخروج من الأزمة الراهنة، مع التركيز على تعزيز الاستقرار السياسي.