شنّت الولايات المتحدة حملة جوية مكثفة على مواقع في اليمن منذ منتصف مارس، زاعمة استهداف مقاتلي الحوثي وقادتهم. لكن الغارات الأمريكية قتلت مدنيين كثيرين، كما في ضاحية ثقبان بصنعاء، حيث سوّت ضربة جوية أربعة منازل بالأرض، وأودت بحياة 11 شخصاً من عائلة واحدة. تداول السكان صوراً ومقاطع لضحايا مدنيين بينهم أطفال، في حين أكد شهود عيان غياب أي أهداف عسكرية في الموقع.
قالت امرأة فقدت عائلتها في الغارة: "لا شيء يعوّض فقدان عائلتي. أموت مئة مرة يومياً من الحزن." وأفاد أحد المشيعين أن "ثمانية من أسرة واحدة دُفنوا. لم نرَ أي دليل على هدف عسكري." ورغم وجود منشورات إلكترونية ادّعت أن الحوثيين استخدموا الحي لإطلاق صواريخ، حُذفت المنشورات لاحقاً، وأثار ذلك شكوكاً حول اعتماد الجيش الأمريكي على وسائل التواصل كمصدر استخباراتي.
قيادة القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) رفضت التعليق على الحادثة مباشرة، لكنها أعلنت إجراء تقييم للغارات وتداعياتها. بينما أشار بيان سابق إلى استهداف أكثر من 800 موقع، وقَتل مئات المقاتلين الحوثيين، قالت الإدارة الأمريكية إن العمليات جرت وفق معلومات دقيقة لتقليل الخسائر المدنية.
إلا أن المدنيين في اليمن يشعرون بأنهم ضحايا حرب لا تهدأ. يقول محمد الذي يعيش قرب صنعاء: "ولدنا في بلد بلا شيء، والحكومة لا تملك شيئاً. فلماذا القصف؟ لا شيء هنا سوى بشر يبحثون عن الحياة." وشكك آخر في جدوى الضربات قائلاً: "الصواريخ أغلى من المباني التي تضربها."
أواخر أبريل، قصفت إسرائيل مطار صنعاء ومحطة طاقة، ما زاد من معاناة المدنيين. وثّقت صور دماراً كبيراً في سوق فروة، حيث قُتل 12 شخصاً وأصيب 34، حسب مصادر حوثية. هذه الضربات فاقمت أزمة إنسانية ممتدة منذ سنوات، حيث يواجه اليمن حرباً أهلية مدمرة، تسببت بنزوح أكثر من 4.5 ملايين شخص، ويعاني 17 مليوناً من انعدام الأمن الغذائي، وفق تقارير الأمم المتحدة.
القيود المفروضة على المساعدات الأمريكية، منذ إدارة ترامب، عمّقت أزمة الغذاء. يقول علثيباني، مواطن أمريكي من أصل يمني، إن "الناس يهاجمونني طلباً للطعام كلما خرجت. سعر الحليب المستورد يصل إلى 7 دولارات، ومعظم السكان لا يقدرون على شراء الخبز."
مأساة أخرى وقعت عندما دمرت غارة أمريكية ناقلة وقود في ميناء رأس عيسى، وأودت بحياة سائق الشاحنة نبيل يحيى. قال شقيقه: "الشاحنة كانت كل ما يملكه."
رغم إعلان ترامب وقف الغارات الأمريكية بداية مايو بعد وساطة عمانية، لا يثق اليمنيون كثيراً بوقف طويل الأمد، خصوصاً مع استمرار الضربات الإسرائيلية. صرح نتنياهو مؤخراً بأن "إسرائيل ستواصل الدفاع عن نفسها، وقد وجّهنا ضربات قاسية للحوثيين، لكننا لم نقل كلمتنا الأخيرة بعد."
اتهم دبلوماسيون وناشطون حقوقيون الولايات المتحدة بأنها لم تستهدف البنية العسكرية الحوثية بشكل مباشر، بل دمّرت بنى تحتية مدنية. وقال عبد الله صبري، السفير اليمني السابق في دمشق: "واشنطن تروّج لفشل دبلوماسي على أنه نصر عسكري."
بدورها، اعتبرت الكاتبة ميساء شجاع الدين أن الضربات الأمريكية وإن بدت فعالة في البداية، إلا أنها لم تحقق أهدافاً استراتيجية، إذ واصل الحوثيون هجماتهم على السفن والمصالح الأمريكية والإسرائيلية. بل استفادوا من الحملة لترسيخ سلطتهم محلياً، واحتفلوا بتراجع أمريكا كعلامة نصر.
رغم توقف الغارات، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على بنوك يمنية للحد من تمويل الحوثيين. وأثارت هذه العقوبات قلق المدنيين والمنظمات الإنسانية التي سارعت إلى نقل أموالها إلى بنوك أخرى، في ظل مخاوف من توسيع العقوبات.
قالت راضية المتوكل من منظمة مواطنة: "الحياة اليومية، خصوصاً من الناحية الاقتصادية، تحت الهجوم. الناس فقط يريدون أن يعيشوا."
وفي ميناء الحديدة، أشار عامل إلى بوادر تحسن طفيف بعد السماح لسفينتين بتفريغ الوقود. لكن المدنيين لا يزالون محاصرين بين الغارات الإسرائيلية، والعقوبات الأمريكية، وسلطة الحوثيين.
اختتم علثيباني حديثه متسائلاً: "لو أرادوا استهداف الحوثيين حقاً لفعلوا، لكن لماذا يقصفون المدن؟ الناس خافوا من الفرار حتى لا يُقتلوا، فآثروا الموت في منازلهم. لا يملكون حلاً."
https://www.theguardian.com/global-development/2025/may/26/yemen-us-israeli-airstrikes-houthi-famine-humanitarian-crisis-civilians