نشرت منصة "ميدل إيست آي" مقالًا للباحثة أمل بوبكر، انتقدت فيه تقريرًا فرنسيًا حديثًا يزعم بوجود اختراق تنظيمي للإخوان المسلمين داخل مؤسسات الدولة الفرنسية، واعتبرته أداة سياسية لتخويف الناخبين المسلمين والتحكم في مشاركتهم الانتخابية قبل استحقاقات 2026 و2027.
أبرز التقرير، الذي عرضه وزير الداخلية برونو ريتايو لمجلس الأمن القومي، تحذيرات من "تغلغل" عناصر مرتبطة بالإخوان في مؤسسات مثل المدارس والبلديات والجمعيات الرياضية، رغم خلوه من أي أسماء أو أدلة موثقة. وسائل الإعلام اليمينية والمسؤولون الحكوميون ضخموا التقرير سريعًا، وصرّح ريتايو بوجود "غمر إسلامي"، بينما دعا رئيس الوزراء السابق جابرييل أتال لتشريعات تحظر الحجاب للفتيات دون 15 عامًا.
ترى الكاتبة أن التوقيت ليس عشوائيًا، بل يرتبط بتحولات المشهد السياسي؛ فبعد أن أنقذ التصويت المكثف في المناطق ذات الأغلبية المسلمة اليسار من هزيمة ساحقة أمام حزب مارين لوبان في 2024، تخشى السلطة تكرار هذا السيناريو. الهدف، حسب المقال، ليس مكافحة الإسلام السياسي بل تحجيم قدرة المسلمين على التأثير الانتخابي.
تُشير بوبكر إلى أن هذا الخوف ليس أيديولوجيًا، بل إستراتيجي، إذ أدى العدوان على غزة إلى غضب واسع في أوساط الشباب المسلمين في فرنسا، الذين لم يروا في الدولة حيادًا بل تواطؤًا. هذا الغضب قد يدفع إلى تعبئة انتخابية جديدة، وهو ما تعتبره السلطات تهديدًا للوحدة الوطنية لا لسبب حقيقي، بل لأنه يربك حسابات القوى اليمينية.
لم ترصد الكاتبة، التي درست النشاط السياسي الإسلامي في فرنسا لأكثر من عقدين، أي مشروع انتخابي منسق تابع للإخوان المسلمين، بل وجدت أن الحديث عن "مشروع سياسي إسلامي" غالبًا ما يصنعه اليمين واليمين المتطرف لتقويض أي ترشح لمسلمين.
توضح أن الواقع يعكس مشهدًا متنوعًا من الانخراط المدني المحلّي، تفرضه معاناة من التهميش لا دوافع دينية. الدوافع الأساسية للناخب المسلم ترتبط بالأمن، والتعليم، والسكن. وبدلًا من الدفع بأجندات دينية، يسعى كثير منهم فقط لحماية كرامتهم ومصالحهم في نظام يُشكك في ولائهم.
وتكشف المقابلات الميدانية أن نسبة كبيرة من المسلمين المحافظين تقاطع الانتخابات بسبب شعورها بالتهميش وغياب من يمثّلهم بصدق، إذ يطلبون أصواتهم فقط لمنع اليمين المتطرف ثم يُعاد تهميشهم. أما فكرة "الكتلة التصويتية الإسلامية" فهي، بحسب بوبكر، أسطورة سياسية صنعتها سرديات اليمين المتطرف وتكتيكات اليسار الانتهازية.
وحين يصل مسلمون إلى مواقع التمثيل السياسي، نادرًا ما يتبنون خطابًا دينيًا، بل يعكسون التنوع الاجتماعي في فرنسا، ويعملون في أطر مدنية تمثل المواطنين عمومًا، وليس المسلمين فقط. حتى الأئمة، عندما يدلون بتوصيات انتخابية، يفعلون ذلك بطلب من السياسيين مثلما يحدث في الكنائس والمعابد، وليس ضمن خطة دينية.
رغم ضعف تأثير أحزاب ذات خلفية إسلامية كحزب الاتحاد الديمقراطي للمسلمين الفرنسيين (UDMF) أو حزب المساواة والعدالة (PEJ)، يُصر الخطاب الرسمي على تضخيم خطر الإخوان المسلمين، ليس لأنهم خطر حقيقي، بل لأن هذا الإطار يوفر ذريعة لفرض المراقبة وقمع المعارضين، خاصة في ظل استمرار تفكيك الجمعيات الإسلامية وإغلاق المساجد منذ 2017 بذريعة مواجهة "الانفصالية".
تحذر الكاتبة من أن هذه السياسات لا تحل مشكلات التطرف، بل تُقيد الظهور السياسي للمسلمين، وتحصر دورهم في التصويت "ضد" اليمين المتطرف بدلًا من تمكينهم سياسيًا.
التهديد الحقيقي، وفق المقال، ليس الإخوان ولا التطرف، بل الصناديق الانتخابية. إذ تُخيف الطبقة السياسية فكرة أن يصوت المسلمون كأفراد أحرار خارج النصوص الجاهزة، كجزء من جمهور ما بعد الاستعمار الذي بدأ يخرج عن الإطار الرسمي. ما لم يتغير هذا النهج، قد يؤدي ذلك إلى مزيد من العزوف السياسي، أو تحالفات احتجاجية هشة، لا يمكن مواجهتها بالقمع وحده.
في الختام، تتساءل الكاتبة: لماذا لا يزال الخطاب الرسمي في فرنسا يستخدم الإخوان كفزاعة لتوجيه خيارات المسلمين الانتخابية؟ وتؤكد أن الجيل الجديد من المسلمين يتفاعل مع السياسة بأدوات معاصرة وتطلعات ديمقراطية، وليس وفق أوهام الدولة عن "الخطر الإسلامي".
https://www.middleeasteye.net/opinion/france-muslim-brotherhood-report-securing-2026-elections-manufacturing-threat