في 22 مايو 2025، وافقت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب المصري نهائيًا على مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب، معتمدة على أحدث الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والهيئة الوطنية للانتخابات لعام 2025.
جاء هذا القرار في ظل استمرار النظام الانتخابي المختلط الذي يقسم المقاعد بين النظام الفردي ونظام القوائم المغلقة المطلقة، حيث يُنتخب نصف المقاعد فرديًا، والنصف الآخر بالقوائم، مما يعني فوز القائمة بالكامل حال تحقيقها أعلى الأصوات، كما أقر مجلس الشيوخ تعديلات مماثلة لتقسيم الدوائر الانتخابية بنظام فردي وقائمة.
عوار القوانين الانتخابية
ينتقد السياسيون بشدة هذه التعديلات التي لم تمس جوهر النظام الانتخابي، معتبرين أن الإبقاء على نظام القائمة المغلقة المطلقة يُهدر أصوات الناخبين ويمنع التمثيل الحقيقي للأحزاب المعارضة.
فالحركة المدنية الديمقراطية وصفت النظام الحالي بأنه "انتكاسة ديمقراطية" تلغي التعددية السياسية الحقيقية، مطالبة بتطبيق نظام القائمة النسبية الذي يحافظ على أصوات المواطنين ويعكس تنوع المجتمع.
أما حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي أكد أن القانون الحالي لا يعكس الحد الأدنى من معايير التعددية، بل يعزز استبعاد الأصوات المعارضة ويعيد إنتاج برلمان لا يعبر عن إرادة الشعب.
القانون الذي تم تعديله هو مشروع تعديل بعض أحكام قانون مجلس النواب وقانون تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب، بالإضافة إلى تعديل بعض أحكام قانون مجلس الشيوخ، ويهدف هذا القانون من وجهة نظر مؤيدي النظام إلى تحقيق التمثيل العادل والمتكافئ للسكان والمحافظات وفقًا للتطورات الإدارية والإحصائيات الحديثة، مع التركيز على العدالة الدستورية في التمثيل النيابي.
مقترح هذا القانون جاء من النائب عبد الهادي القصبي، وهو مشروع مقدم من قبله ومن عدد من أعضاء مجلس النواب المصري، وقد تم إقراره نهائيًا من قبل مجلس النواب بعد موافقة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية.
يعتمد القانون على النظام الانتخابي المختلط القائم حاليًا، حيث يُنتخب نصف أعضاء مجلس النواب بنظام الفردي، والنصف الآخر بنظام القوائم المغلقة المطلقة، وهو النظام الذي أثار جدلاً واسعًا بين مؤيد ومعارض بسبب تأثيره على التمثيل السياسي.
لماذا التعديلات الأخيرة على قوانين الانتخابات في مصر تُعتبر غير كافية لتعزيز الديمقراطية؟!
لعدة أسباب جوهرية تتعلق بطبيعة النظام الانتخابي والظروف السياسية المحيطة:
- الإبقاء على نظام القوائم المغلقة المطلقة: التعديلات لم تلغِ نظام القوائم المغلقة المطلقة الذي يُتيح فوز القائمة كاملة إذا حصلت على أعلى الأصوات، مما يُهدر أصوات الناخبين ويُقلل من فرص التمثيل الحقيقي للأحزاب المعارضة، ويُعزز احتكار السلطة من قبل التيار الحاكم أو قوائم موالية له.
- غياب المنافسة السياسية الحقيقية: النظام الانتخابي الحالي، مع التعديلات، لا يضمن وجود منافسة حقيقية بين القوى السياسية، خاصة المعارضة، بسبب القيود المفروضة على ترشيحها والإجراءات التي تحد من تأثيرها، وهو ما يؤدي إلى برلمان شكلي لا يعبر عن إرادة الشعب ولا يحقق التعددية السياسية.
- الظروف السياسية والاقتصادية غير المواتية: نجاح التحولات الديمقراطية لا يعتمد فقط على القوانين الانتخابية، بل يتطلب استقرارًا اقتصاديًا وعدالة انتقالية وقضاء مستقل ومؤسسات دولة قوية، وهي عوامل غائبة أو ضعيفة في مصر، مما يجعل الانتخابات مجرد إجراء شكلي لا يعكس تطلعات المواطنين الحقيقية.
- تراجع ثقة الجمهور في العملية الانتخابية: بسبب ممارسات سابقة مثل حل البرلمان المنتخب وإجراءات قمع المعارضة، هناك شكوك واسعة في نزاهة الانتخابات ومصداقيتها، مما يؤدي إلى عزوف الناخبين وانخفاض نسبة المشاركة، وبالتالي ضعف الشرعية السياسية للبرلمان المنتخب.
- غياب انتخابات المحليات وتأثيره على المشهد السياسي: تأجيل أو غياب انتخابات المحليات، التي تعتبر مدرسة لإخراج الكوادر السياسية، يحد من تطوير المشهد السياسي ويؤثر على بناء ديمقراطية حقيقية تمكّن من مشاركة أوسع في صنع القرار.
بالتالي، التعديلات القانونية الأخيرة لا تعالج جذور المشكلة الديمقراطية في مصر، بل تبقى إجراءات شكلية ضمن نظام انتخابي يحد من التعددية السياسية ويُبقي على هيمنة السلطة، مما يجعلها غير كافية لتعزيز الديمقراطية بشكل فعلي.
تصريحات السياسيين حول التعديلات وتأثيرها السياسي
أشار رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، الدكتور عاطف مغاوري، إلى أن الوقت غير كافٍ لتعديل النظام الانتخابي، رغم رفض حزبه للنظام الحالي، معتبراً أن تطبيق نظام القوائم النسبية يحتاج إلى نقاشات مطولة وإعداد طويل.
وانتقد محمد تركي، عضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين، التعديلات واعتبرها ترسخ لاحتكار المال السياسي وتقتل المنافسة، مشيرًا إلى عدم عدالة توزيع المقاعد بين الدوائر الانتخابية.
الفشل الاقتصادي والسياسي للانقلاب العسكري في إدارة مصر
شهدت مصر تراجعًا في مؤشرات التنمية وارتفاعًا في معدلات الفقر والبطالة خلال السنوات الأخيرة، مع استمرار الاعتماد على القروض الدولية، مما يعكس فشل السياسات الاقتصادية التي لم تنعكس إيجابًا على حياة المواطنين.
كما أن القمع السياسي وتقييد الحريات، بما في ذلك حرمان المعارضة من المشاركة الفعالة في البرلمان، يعزز من أزمة الشرعية السياسية للنظام ويزيد من الاحتقان الشعبي.
هذا الفشل الاقتصادي والسياسي يتجلى بوضوح في التمسك بنظام انتخابي لا يعكس إرادة الشعب ولا يتيح تمثيلًا حقيقيًا للأصوات المعارضة، مما يحول البرلمان إلى مؤسسة شكلية تدعم سياسات السلطة دون مساءلة حقيقية.
الخلاصة: بين التعديلات الشكلية والرفض الشعبي
التعديلات الأخيرة في قوانين الانتخابات البرلمانية والشيوخ في مصر تمثل محاولة شكلية لتطوير النظام الانتخابي، لكنها في جوهرها تحافظ على النظام الذي يضمن هيمنة السلطة ويقيد التعددية السياسية.
المعارضة ترى أن هذه القوانين تعمق الأزمة السياسية وتكرس الفشل الاقتصادي والسياسي للنظام العسكري بقيادة السيسي، الذي لم ينجح في إدارة البلاد بشكل يحقق العدالة والتنمية الحقيقية.
وتصريحات السياسيين من مختلف الأطياف تؤكد أن التعديلات لم تلبي مطالب التغيير الديمقراطي، بل جاءت لتثبيت وضع قائم يعزز احتكار السلطة ويحد من فرص التمثيل الحقيقي للمواطنين.