بالتزامن مع تحقيق أمني نشرته صحف فرنسية يخوف المجتمع الفرنسي من جماعة الإخوان المسلمين يتجه الرئيس الفرنسي ماكرون إلى حظر الحجاب تحت سن الـ15، كما حدد قانونًا يرفض "منع الاختلاط" في المدارس الإسلامية، في الوقت نفسه الذي خرجت فيه الجماهير الفرنسية تهتف "كلنا أطفال غزة" ...
ونشرت مجلة الرأي الفرنسية – مقال حقق (241 الف قارئ في أقل من 72 ساعة) بعنوان (فرنسا : بين المسجد والإيديولوجيا: لماذا يجب التوقف عن ربط التدين بالإرهاب في فرنسا؟) قال إنه "في خضم النقاشات الساخنة التي تشهدها الساحة الفرنسية حول الإسلام والمسلمين، يبدو أن هناك خلطًا خطيرًا يتكرر في الخطاب الإعلامي والسياسي، وهو الربط غير العادل بين ممارسة المسلمين لشعائرهم الدينية، وبين الانتماء إلى جماعات متطرفة أو تنظيمات سياسية مثل جماعة الإخوان المسلمين"..
وأضاف "رغم أن عدد المسلمين في فرنسا يتجاوز 6.8 مليون نسمة بحسب آخر الإحصائيات الرسمية (وقد يصل إلى 9 ملايين بحسب تقديرات غير رسمية)، فإن النقاش العام لا يزال يختزل هذه الجالية الواسعة والمتنوعة في صورة مشوشة، تضع كل من يدخل المسجد أو ترتدي الحجاب أو العباية، تحت دائرة الشك والريبة.".
المسجد ليس عنوان تنظيم
وأكد المقال أن "المسجد... ليس قاعدة خلفية للتطرف" موضحا أن "الذهاب إلى المسجد لا يعني الانتماء إلى تنظيم، ولا ممارسة الإرهاب، ولا حتى تبني مشروع سياسي ديني. بل إن أغلب من يرتادون المساجد هم مواطنون عاديون يمارسون حقهم الطبيعي في التعبد والتقرب إلى الله، شأنهم شأن الكاثوليك واليهود والبروتستانت وكل المؤمنين في فرنسا.".
وأضاف، "المسجد، بالنسبة لهؤلاء، هو مكان روحي واجتماعي وتعليمي. هناك من يذهب للصلاة، وهناك من يحضر دروسًا دينية، وهناك من يجد فيه جوًا من السكينة والاطمئنان، بعيدًا عن صخب الحياة اليومية وضغوطها.".
واقع الإخوان في فرنسا
وأوضح المقال إن "جماعة الإخوان المسلمين... واقع مختلف عن الصورة الإعلامية" وأنه "كثيرًا ما يتم الزج بجماعة الإخوان المسلمين في قلب هذا الجدل، وغالبًا ما يُروَّج أن لها حضورًا قويًا في فرنسا. لكن حتى أكثر التقارير المبالغ فيها لا تشير إلى أكثر من 100 ألف شخص قد يتعاطفون مع فكرها أو يتعاملون مع مؤسسات تديرها، ضمن أكثر من 6 ملايين مسلم. هذا لا يعني أنهم أعضاء نشطون في الجماعة، ولا أنهم يتبنون أجندتها السياسية.".
وقال: "بل الأهم من ذلك، أن القانون الفرنسي لا يُجرّم فكر الإخوان أو غيرهم ما دام لا يدعو إلى العنف أو التحريض على الكراهية أو انتهاك القانون. ومن هنا، فإن التعامل مع كل متدين على أنه مشروع "إخواني" أو "متطرف" ليس فقط تجنيًا، بل خطرًا على السلم الاجتماعي.
المسلمون في فرنسا... ضحايا التعميم الممنهج".
ورصد أنه "ما يُثير القلق هو أن هذا الخلط يُغذي موجة الإسلاموفوبيا، ويُساهم في دفع الشباب المسلم إلى التهميش والانغلاق بدلًا من الاندماج. حين يُعامل الطالب المحجبة كتهديد أمني، أو يُشتبه في موظف لأنه يصلي، أو يُستبعد شاب من وظيفة لأنه يُواظب على الصوم... فإننا لا نحارب التطرف، بل نخلق بيئة خصبة له.".
وخلص في هذه النقطة إلى أن "التدين في حد ذاته ليس مشكلة. بل قد يكون عنصرًا إيجابيًا في حياة الكثيرين، يُحفز على القيم الأخلاقية، والتضامن، واحترام الآخر.".
توجه أوروبي
وعن اجتماع وزراء الدفاع الأوروبيين، أشار المقال إلى خلفيات الاجتماع وأنه "في الآونة الأخيرة، عُقد اجتماع لعدد من وزراء الدفاع الأوروبيين تحت عنوان "مواجهة التهديد الإسلامي الراديكالي"، وهي خطوة أثارت الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية والحقوقية. فرغم أن الأمن القومي لأي بلد يُعد حقًا مشروعًا، فإن استخدام مصطلحات فضفاضة مثل "التهديد الإسلامي" أو "الإسلاميين" بدون تحديد دقيق يُعتبر أمرًا خطيرًا وغير مسؤول.".
وأوضح في رده على تساؤلات: "ما هو المقصود بـ"الإسلاميين"؟ هل هم من يُمارسون شعائرهم الدينية؟ هل يشمل الوصف جماعة الإخوان المسلمين فقط؟ هل الحديث عن تيارات سياسية أم عن فصائل مسلحة؟ إن غياب التحديد يجعل من هذه الاجتماعات منابر لتعميم التهم على ملايين المسلمين الملتزمين، الذين لا علاقة لهم بأي تهديد حقيقي".
واعتبر أن "أسوأ ما يمكن أن تفعله أوروبا اليوم، في ظل صعود اليمين المتطرف، هو أن تربط بين الإسلام كدين، وبين الإرهاب كجريمة. فالإرهاب لا دين له، والتطرف لا جنسية له، وقد رأينا ذلك في حركات عنصرية يمينية متطرفة مارست العنف والكراهية باسم الدفاع عن "القيم الأوروبية".".
وأشار إلى أن ".. المطلوب من وزراء الدفاع، إن كانوا جادين في محاربة الإرهاب، هو التنسيق الأمني والقضائي لمحاربة من ينتهك القانون، لا استهداف ملايين المواطنين بناءً على انتماء ديني، أو على مظهر خارجي كالحجاب أو الخمار أو العباية.. فمثل هذه الاجتماعات، إن لم تكن قائمة على منهج علمي وقانوني دقيق، فإنها ستُسهم فقط في زيادة التوتر والانقسام داخل المجتمعات الأوروبية، وتُوفر ذريعة ذهبية للمتطرفين من الجانبين، لجرّ الشباب إلى خطاب الكراهية والعداء.. ".
وختم ابيل دوزان كات بالمقال أن "ليس الإسلام خطرًا على فرنسا، بل الجهل بالإسلام هو الخطر الحقيقي.. والمساجد ليست أوكارًا للتطرف، بل قد تكون قلاعًا للتربية على القيم.. فلتتوقف هذه الحرب الرمزية على المتدينين، ولتبدأ معركة العقل ضد التطرف الحقيقي... حيثما وُجد.