في ظل أجواء الحرب المستعرة في السودان منذ أكثر من عام، تفاقمت أزمة صحية جديدة تنذر بكارثة إنسانية متجددة، مع تسجيل مئات حالات الإصابة بالكوليرا أسبوعيًا في العاصمة الخرطوم ومناطق مجاورة، وسط تحذيرات من احتمال وجود عامل كيميائي غامض وراء تفشي المرض.

وبحسب منظمة "أطباء بلا حدود"، فإن ولاية الخرطوم تشهد منذ أبريل الماضي ارتفاعًا مقلقًا في حالات الكوليرا، حيث سُجل قرابة 2000 حالة مشتبه بها في غضون ثلاثة أسابيع فقط، انتهت في 20 مايو الجاري.
وفي اليوم التالي وحده، تم تسجيل 500 حالة جديدة، وهو ما يعادل ربع إجمالي الحالات المبلغ عنها في الأسابيع السابقة، وفق المنظمة.
 

مئات الحالات أسبوعيًا وارتفاع في أعداد الوفيات
   وأكد وزير الصحة السوداني، هيثم محمد إبراهيم، أن عدد الحالات في الأسابيع الأربعة الأخيرة يتراوح بين 600 و700 إصابة أسبوعيًا في ولاية الخرطوم وحدها، وسط تقارير عن وفاة العشرات، رغم غياب الأرقام الرسمية الدقيقة نتيجة تدهور النظام الصحي.

وربط الوزير بين التفشي المتسارع للكوليرا وعودة السكان إلى مناطق مثل جبل الأولياء والصالحة، التي استعاد الجيش السيطرة عليها مؤخرًا، دون تأمين البنية التحتية الأساسية وعلى رأسها المياه الصالحة للشرب.
 

الحرب تفتك بالبنية الصحية
   وحذر المنسق الطبي لمنظمة "أطباء بلا حدود" في الخرطوم، سليمان عمار، من أن الحرب المستمرة أضعفت قدرة السكان على الحصول على مياه نظيفة وخدمات رعاية صحية أساسية.
وقال إن "الهجمات بالطائرات المسيّرة على محطات الكهرباء في أم درمان تسببت بانقطاع الكهرباء عن محطات معالجة المياه، وهو ما جعل من الصعب توفير مياه شرب آمنة من النيل".

وأضاف عمار أن العديد من المستشفيات في مناطق مثل جنوب الخرطوم تضررت أو توقفت عن العمل، مشيرًا إلى أن جزءًا كبيرًا من الكوادر الطبية المتبقية غادروا مناطقهم بسبب اشتداد القتال.
 

"ليست كوليرا".. اتهامات بتسرب مواد كيميائية
   في تطور مقلق، رجّحت مصادر طبية تطوعت ميدانيًا أن تكون الإصابات المسجلة في بعض مناطق أم درمان وجنوب الخرطوم ناجمة عن تسمم كيميائي، وليس عن الكوليرا التقليدية، في ظل ظهور أعراض غير معتادة مثل الصداع والمغص الحاد دون الإسهال أو القيء، وهو ما يميز عادة مرض الكوليرا.

وعن أحد المتطوعين - الذي لم يُكشف اسمه لدواعٍ أمنية - أن "التزايد المخيف في الإصابات مؤخرًا ليس تفشيًا للكوليرا، بل نتيجة محتملة لتسمم ناجم عن مخلفات أسلحة كيميائية"، لافتًا إلى تقارير عن تسرب غازات وأتربة مشبوهة من مخزن أسلحة في أم درمان الأسبوع الماضي.
 

وفيات مؤكدة ومخاوف من انفجار الوضع الصحي
   ورغم تضارب الأرقام حول عدد الوفيات، أكدت تقارير صحفية وفاة ما لا يقل عن 51 شخصًا بسبب المرض، فيما أشارت شبكة أطباء السودان إلى تسع وفيات موثقة وأكثر من 500 حالة إصابة استقبلها مستشفى "النو" في أم درمان وحده.
 

سياق الحرب والكارثة المتفاقمة
   يأتي هذا التفشي في خضم الحرب الدموية بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" المدعوم من الاحتلال الإماراتي، التي اندلعت في أبريل 2023، وتسببت في مقتل الآلاف وتشريد الملايين، إضافة إلى انهيار شبه كامل للبنية الصحية، وانقطاع الكهرباء والمياه، وتوقف العديد من المرافق الطبية.